البحث الثالث : في أحكام الإحياء ، في الكتاب في معنى قوله عليه السلام إنما ذلك في الصحاري ، وأما ما من أحيا أرضا ميتة فهي له ، نفيا للتشاجر بتزاحم الدواخل عليه كما فعله عليه السلام في المعادن . قال قرب من المعمورة ويتشاح الناس فيه لا يحيا إلا بقطيعة من الإمام ابن يونس : قيل : يحيا بغير إذن الإمام لعموم الحديث ، وقال عبد الملك : لا يحيي أحد إلا بإذن الإمام مطلقا ، غير أن من ، أو في القريب نظر فيه الإمام إما أبقاه أو أقطعه غيره أو يبقيه للمسلمين ويعطيه قيمة ما عمر منقوضا ، وقاله : أحيا في البعيد عن العمارة الذي لا تعلق للعمارة به فهو له ابن القاسم [ ص: 157 ] ومالك ، وقال أصبغ : لا يحيي القريب إلا بإذن الإمام ، فإن فعل أمضيته ، قال : وحد القريب ما تلحقه المواشي والاحتطاب ، بخلاف اليوم ونحوه فيصير فيها ثلاثة أقوال : القريب والبعيد بغير إذن الإمام لا يحييهما إلا بإذنه ، التفرقة ، وبالأول قال ( ش ) ، وبالثاني قال ( ح ) ، المسألة مبنية على قاعدة وهو أنه - عليه السلام - له أن يتصرف بطريق الإمامة ; لأنه الإمام الأعظم ، وبطريق القضاء ; لأنه القاضي الأحكم ، وبطريق الفتيا ; لأنه المفتي الأعلم ويتفق العلماء في بعض التصرفات وإضافته إلى أحد هذه العبارات ، ويختلفون في بعضها كقوله عليه السلام سحنون لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان لما شكته له بالبخل : . قال خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف مالك و ( ش ) وجماعة : هذا تصرف بالفتيا ; لأنه الغالب على تصرفه التبليغ ، فمن ، ويؤكد أنه لم يلزمها بإثبات دعواها ولا بإحضار خصمها ، ولو كان تصرف بالإمامة ، أو بالقضاء لتعين ذلك ، وقال قوم : هذا تصرف بالقضاء فلا يأخذ أحد من مال خصمه شيئا إلا بإذن القاضي ; لأنه عليه السلام إنما تصرف في تلك الواقعة بالقضاء ، وكقوله عليه السلام ظفر بحقه من خصمه العاجز عنه أخذه من غير علمه . قال ( ش ) هذا تصرف بالفتيا ; لأنه غالب تصرفه ، وقال من قتل قتيلا فله سلبه مالك : هذا تصرف بالإمامة ، فلا يستحق أحد سلبا إلا بإذن الإمام ، وخالف أصله السابق لما تقدم تقريره في الجهاد ، وكذلك اختلف هاهنا هل هو تصرف بالفتيا ، فلا يحتاج الإحياء إلى إذن الإمام ، أو بالإمامة فيحتاج ، والقائلون بأنه بالفتيا منهم من راعى قواعد مصلحته يفرق بين ما فيه ضرر وما لا ضرر فيه ، ومنهم من لم يراع ذلك فهذا الباب فقه هذه المسألة ، ثم تأكد [ ص: 158 ] مذهب ( ش ) بالقياس على البيع ، وسائر أسباب الملك لا يفتقر إلى إذن الإمام . وتأكد مذهب الحنفي بالقياس على الأخذ من مال بيت المال ، وبالقياس على الغنائم ، ولأنه محمل اجتهاد فافتقر للإمام كاللعان وضرب الآجال ، ولظاهر قوله عليه السلام . والجواب عن الأول أنه مملوك قبل الأخذ ، فافتقر إلى إذن ، وعن الثاني أنه يفتقر إلى إخراج الخمس وتقرير حقوق الغانمين من فارس وراجل ، بخلاف الإحياء ، وعن الثالث لا نسلم أنه محل اجتهاد بل محمول على العادة ، وعن الرابع أنه عليه السلام إمام الأمة وقد طابت نفسه بالملك لتصريحه بذلك . ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه
فرع : قال اللخمي : إذا أرى أن ينظر فيه هل يضر بالناس في ضيق المرعى والسكن ، أو هو شرير يخشى من شره هناك ، أو هو مستغن عنه وغيره محتاج إليه فيمنع ، أو هو بعيد لا يضيق ، والإحياء للزرع دون البناء ترك ، قال : ولو قيل : إذا أخرج أعطي قيمة بنائه قائما لكان وجها ; لأنه بنى بشبهة فقد أمضاه عمر بقرب العمارة أشهب ، قال : سواء كانت أرض صلح أو عنوة أو أسلم أهلها عليها ينظر في القريب والبعيد ; لأن العفاء البعيد خارج عما ينعقد عليه الصلح والإسلام لعدم النفع به حينئذ . سحنون
فرع : قال : أجاز ابن القاسم وقاله ( ح ) ، لعموم الحديث إلا في إحياء الذمي جزيرة العرب ; لقوله عليه السلام : جزيرة العرب . قال [ ص: 159 ] لا يبقين دينان في مالك وجزيرة العرب : الحجاز ومكة والمدينة واليمن ، قال عبد الملك : فإن فعل أعطي قيمة عمارته وأخرج وما عمره في قرب العمارة أخرج وأعطي قيمته منقوضا ، إذ ليس للإمام أن يقطعه إياه . وقال ابن القصار : ولا يجوز للإمام أن يأذن له في الإحياء مطلقا - وقاله : ( ش ) ; لأن الموات من حقوق الدار وهي دار إسلام ، وقسنا على الصيد والبيع ونحوها ، ففرقوا بأن الصيد يخلف فلا يضر بالمسلمين ، والأرض لا تخلف ، والبيع يقع برضى البائع ، ولم يرض الناس هاهنا ، قال صاحب النكت : إذا قال عمر فيما قرب من العمارة عبد الملك : ينظر فيه الإمام : فإن أقره وإلا أعطاه قيمته - مقلوعا ، وقال أصبغ : لا يفعل فيما قرب إلا بإذن الإمام ، فإن فعل أمضيته ، وقال عبد الملك : المالك يمنع فيما قرب ، وإذا أذن له الإمام أعطي قيمته ونزع منه ; لأن ما قرب كالفيء ولا حق لذمي فيه .