قاعدة : أربعة أقسام : قسم مشتمل على المعاوضة كالبيع والإجارة ، وغير مشتمل ، كالهبة والوصية ، ومشتمل على طريق التبع لمقصد آخر كالنكاح مقصده المودة والائتلاف واستبقاء النوع الإنساني في الوجود للعبادة ؛ لقوله تعالى : ( العقود ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) فصرح بحكمة الزوجية ، وغير مقصود أصلا في ذلك التصرف كالطلاق ، فإن العوض فيه غير مقصود في أصله ألبتة ، ويقع فيه لغرض الفداء من الضرر لا للطلاق ، فمنع الشرع من الغرر والجهالة في القسم الأول ؛ لأن مقصوده تنمية المال وهما يخلان بالخرم بضبطهما بل هما مظنة تعددها ، وهذا القسم هو الذي ورد فيه النهي عنهما كنهيه عن بيع الغرر ، وبيع المجهول ، والقسم الثاني يجوز فيه الغرر والمجهول إذ لا غبن ، ولا يحسن لعدم المعاوضة ، وأقل الأحوال أن لا يحصل له شيء فلا ضرر ، والقسم الثالث : منع فيه ما عظم من الغرر دون قليله كما تقدم بسطه في النكاح لأجل اشتراطه في أصله ، فلو جوز الغرر مطلقا أهمل الشرط ، والرابع : يجوز فيه الغرر أكثر من الأول لعدم اشتراط العوض في أصله [ ص: 31 ] فرع
في الكتاب : إذا جاز منه الثلث ؛ لقوله عليه السلام في الحديث المتقدم أول الباب : ( زاد على ثلثه ) وإذا زادت المرأة على الثلث فرد الزوج الزائد بطل الجميع عند الثلث والثلث كثير مالك ؛ لفساد العقد ، والفرق من وجهين : أن المريض غالبا يقصد البر لا الضرر بخلافها وهي متمكنة من إنشاء عقد آخر بخلافه ؛ لأنه قد مات ، وإن أوصى بعبد قيمته ألف ، ولآخر بدار قيمتها ألف وترك ألفا ولم يجز الورثة ، فالثلث بين الموصى لهما ، لهذا نصف العبد ، ولهذا نصف الدار ، قال ابن يونس : من لا وارث له ، لا يوصي بماله كله ؛ لقوله تعالى : ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ) فليس أحد إلا وله وارث عرف أو جهل ، وعن ابن القاسم : من لا وارث له يتصدق به ، إلا أن يكون الوالي يخرجه من وجهه فيدفع له . عمر بن عبد العزيز
نظائر ، قال أبو عمران : الثلث في حد القلة في ست مسائل : الوصية ، وهبة المرأة ذات الزوج إذا لم ترد الضرر ، واستثناء ثلث الصبرة إذا بيعت ، وكذلك ثلث الثمار والكباش ، والسيف إذا كان حليته الثلث يجوز بيعه بجنس الحلية ، والثلث في حيز الكثرة في ثلاثة مواضع : جائحة الثمار ، وحمل العاقلة الدية ، ومعاقلة المرأة للرجال ، قال العبدي : وهو قليل في الطعام يستحق منه أو ينقص في الشراء عند أشهب ، وكذلك النصف عنده ، وفي استثناء الأرطال من الشاة وفي الدالية تكون في دار الكراء ، قال اللخمي : اختلف إذا زاد على الثلث يسيرا فقيل : إذا أوصى بعبده إن وسعه الثلث وزادت قيمته على الثلث ولا يتبع [ ص: 32 ] بشيء ، وقيل يكون بذلك القدر رقيقا ، وقيل : يرق جميعه لقول الميت : إن وسعه الثلث ولم يسعه ، وقيل من لا وارث له تمضى وصيته بكل ما له ، وحكم الوارث المجهول حكم العدم ، والخلاف إذا أوصى به للأغنياء أو وجه لا يصرفه الإمام فيه ، أما للفقراء وما يصرفه الإمام فيه ، فلا تغير الوصية ؛ لأنها جائزة ، واختلف إذا مات عن غير وصية : هل يجري مجرى الفيء وتحل للفقراء و الأغنياء قياسا على اللقطة ، أو تكون مقصورة على الفقراء ؛ لأن ثم وارثا مجهولا يتصدق به عنه ؟ وقال ابن نافع : إذا لا يعتق إلا ما حمله الثلث إلا أن يكون له وارث فيعتق من ماله كله . ويأخذ الفضل ، وأباه اشترى أخاه في مرضه ابن القاسم ورأى أنه لا يرث ؛ لأنه لم يحمله الثلث ، قال : إذا الطرطوشي بطل الزائد على الثلث ، وقيل : يجوز ، وهذا كله إذا كان للمسلمين بيت المال وإلا صحت الوصية ، وقيل : يكون للموصى له الثلث والباقي للفقراء وقال ( ش ) : تبطل ، وهل للإمام إجازتها كالوارث ؟ قولان ، وقال ( ح ) : تنفذ الوصية في الجميع ، ولأحمد قولان ، وأصل المسألة : هل بيت المال وارث عندنا أو حائز عنده ؟ لنا : قوله عليه السلام : ( أوصى بماله كله ولا وارث له . . . ) الحديث المتقدم فلم يجعل الحق إلا في الثلث وهو عام فيمن له وارث ومن لا وارث له ، وبالقياس على من له وارث ؛ لأنه جعل مصرفا كالوارث ، ومن أتلف له شيئا ضمنه ، والوصية إتلاف عليه ؛ ولأنه يعقل كالوارث ولأن الوصية على خلاف الأصل ؛ لأنها فيما بعد الموت ، خالفناه في الثلث فيبقى على مقتضاه في [ ص: 33 ] الزائد ، ولقوله عليه السلام : ( إن الله أعطاكم ثلث أموالكم ) وهو الإمام الأعظم فيكون المراد بيت المال وهو المطلوب ؛ ولأن باب الميراث أوسع من العقل ؛ لأن الزوجين والنساء والصبيان يرثون ولا يعقلون ، فلأن يرث من يعقل أولى ، ويؤيده أن من قتل ولا وارث له اقتص له الإمام . احتجوا بقوله عليه السلام : ( أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه . . . ) الحديث المتقدم ، فعلل المنع بحاجة الورثة ، فحيث لا وارث تجوز الزيادة ؛ ولأنه ليس لماله مستحق معين فيضعه حيث شاء كالصحيح ؛ ولأن الإنسان لا يخلو من ابن عم في الوجود غير أنه مجهول ، فهو كلقطة جهل ربها فيكون بيت المال غير وارث . بل يجعل فيه المال للمصالح كاللقطة المجهول ربها ؛ ولأن بيت المال يأخذه الرجل ومن يحجبه ، ولو كان وارثا لامتنع ذلك ؛ ولأن الوصية لآحاد المسلمين جائزة إجماعا ، والوصية للوارث ممنوعة ، وللإمام أن يقتل من لا وارث له لمقتوله ويأخذ ماله والقاتل لا يرث ، والنساء لا يساوين الرجال في الميراث بخلاف مال بيت المال ، ويشترط وجود الوارث عند الاستحقاق بصفة من يرث ، والميراث يعم الورثة بخلاف بيت المال في ذلك كله . الثلث والثلث كثير ، إنك أن تدع ورثتك
والجواب عن الأول : أن المسلمين ورثة فلا يعدل بالمال عنهم ؛ لأنه يضر بفقيرهم ؛ ولأن علل الشرع يخلف بعضها بعضا .
[ ص: 34 ] والجواب عن الثاني : أن المسلمين ورثة معينة ؛ لأن الجهة المعينة كالوارث المعين ، وإذا ثبت الدين للمسلمين بإتلاف شيء من بيت المال أو حصير المسجد منع ذلك الوصية ، فكذلك استحقاق الإرث ، ويقتص لمن لا وارث له كما يقتص الوارث المعين .
والجواب عن الثالث : أن ذلك الوارث ساقط في نظر الشرع ؛ لأن من شرط إرث النسب معرفة العرب ؛ ولذلك يورث المعتق حينئذ ، واللقط يرجى ظهور صاحبها .
والجواب عن الرابع : أن الكل ورثة بالصفة لا بالتعيين ، وحكمها مختلف بدليل أن الوصية للأعيان تقتضي تعيينهم كأولاد زيد ، ولبني تميم أو للفقراء لا يجب التعميم ولا وجود الصفة عند الوصية ، بل من ولد أو افتقر بعد ذلك استحق ، وأما القاتل فيصح عندنا أن يعطيه الإمام من مال المقتول اجتهادا ، وهاهنا لا يهتم الإمام في القتل بخلاف الوارث ( يتهم في استعجال الإرث ) . وأما الوصية لآحاد المسلمين فلعدم تعين أخذه من بيت المال بخلاف القريب .
ومساواة الذكر والأنثى فلا ينافي الإرث كأخوة الأم وميراث الولاء ؛ ولاستوائهما هاهنا في صفة الاستحقاق وهي الإسلام وفي القرابة .
وإن استويا فتوقع النفع للموروث مع التعيين من الذكر أوفر ، وعدم التعميم لعدم الحصر شاهدة الغنيمة لما كانت لمحصرين عمدا ، والفيء لغير معين فلم يعم ، وأما أخذ الإنسان مع من [ ص: 35 ] يحجبه فلعدم تعين أخذ حاجته بخلاف الإرث في الجواهر : اختلف هل بيت المال حائز أو وارث ؟ وفائدة الخلاف : انصرف إليه أو إلى ذوي الأرحام ؟ وهل يرد ما فضل عن ذوي السهام عليهم ؟ قال الأستاذ أبو بكر عقيب كلامه في هذه المسألة : وذلك إذا كان للمسلمين بيت المال ، فإن لم يكن صحت الوصية مطلقا ، وقال بعض المتأخرين : للموصى له الثلث والباقي للفقراء .