[ ص: 316 ] ( 5 ) باب النكاح في الاعتكاف

15026 - قال مالك : لا بأس بنكاح المعتكف نكاح الملك ، ما لم يكن المسيس . والمرأة المعتكفة أيضا ، تنكح نكاح الخطبة . ما لم يكن المسيس . ويحرم على المعتكف من أهله بالليل ما يحرم عليه منهن بالنهار .

ولا يحل لرجل أن يمس امرأته وهو معتكف . ولا يتلذذ منها بقبلة ولا غيرها .

ولم أسمع أحدا يكره للمعتكف ولا للمعتكفة أن ينكحا في اعتكافهما ما لم يكن المسيس . وكذلك الصائم ينكح في ليل صيامه ، وليس للمحرم . . . إلى آخر كلامه .

التالي السابق

الشرح

15027 - قَالَ أَبُو عُمَرَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [ الْبَقَرَةِ : 187 ] ، فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ وَطِئَ فِي اعْتِكَافِهِ عَامِدًا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ يَبْدَأُ اعْتِكَافَهُ .

15528 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَالضَّحَّاكِ ، قَالُوا : كَانُوا يُجَامِعُونَ وَهُمْ مُعْتَكِفُونَ حَتَّى نَزَلَتْ : وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ .

[ ص: 317 ] 15029 - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانُوا إِذَا اعْتَكَفُوا فَخْرُجُ أَحَدُهُمْ إِلَى الْغَائِطِ جَامَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَرَجَعَ إِلَى اعْتِكَافِهِ ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ . وَأَجْمَعُوا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ قَدِ اقْتَضَى الْجِمَاعَ .

15030 - وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَهُ مِنَ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالْمُبَاشَرَةِ .

15031 - فَقَالَ مَالِكٌ : مَنْ أَفْطَرَ فِي اعْتِكَافِهِ يَوْمًا عَامِدًا أَوْ جَامَعَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أَوْ بَاشَرَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ .

15032 - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٌ : إِنْ بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ أَنْزَلَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ .

15033 - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إِنْ بَاشَرَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : لَا يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ إِلَّا بِالْوَطْءِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ .

15034 - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ .

15035 - وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : إِذَا جَامَعَ دُونَ الْفَرَجِ أَفْسَدَ اعْتِكَافَهُ .

15036 - وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ، وَالْحَسَنُ : وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ .

15037 - وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ ، وَالثَّوْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : إِذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ بَطُلَ اعْتِكَافُهُ .

[ ص: 318 ] 15038 - وَبِهَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ، وَالْقَاسِمُ ، وَسَالِمٌ ، وَعَطَاءٌ ، وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ ، وَكُلُّهُمْ يُلْزِمُهُ الِاسْتِئْنَافَ إِلَّا الشَّعْبِيَّ ، فَإِنَّهُ قَالَ : يُتِمُّ مَا بَقِيَ .

15039 - وَقَالَ مُجَاهِدٌ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارَيْنِ .

15040 - قَالَ أَبُو عُمَرَ : فَسَادُ الِاعْتِكَافِ بِالْوَطْءِ لَا شَكَّ فِيهِ ، وَالْعَزْمُ فِي الْكَفَّارَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ أَوْجَبَهُ ، فَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ فِي رَمَضَانَ وَوَطِئَ فِيهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ ، أَوْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ اعْتِكَافِهِ .

15041 - وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْمُعْتَكِفِ يَطَأُ أَهْلَهُ عَامِدًا أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ اعْتِكَافَهُ كَمَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ . فَإِنْ وَطِئَ نَاسِيًا فَكُلٌّ عَلَى أَصْلِهِ يَقْضِي بِفَسَادِ الصَّوْمِ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا ، فَالِاعْتِكَافُ كَذَلِكَ عِنْدَهُ فَاسِدٌ ، وَمَنْ لَمْ يُفْسِدِ الصَّوْمَ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا لَمْ يُفْسِدْ لِذَلِكَ الِاعْتِكَافَ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

15027 - قال أبو عمر : قال الله عز وجل : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد [ البقرة : 187 ] ، فأجمع العلماء على أنه إن وطئ في اعتكافه عامدا في ليل أو نهار يبدأ اعتكافه .

15528 - وروي عن ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، قالوا : كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد .

[ ص: 317 ] 15029 - وقال ابن عباس : كانوا إذا اعتكفوا فخرج أحدهم إلى الغائط جامع امرأته ثم اغتسل ورجع إلى اعتكافه ، فنزلت الآية . وأجمعوا أن قوله تعالى : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قد اقتضى الجماع .

15030 - واختلفوا فيما دونه من القبلة واللمس والمباشرة .

15031 - فقال مالك : من أفطر في اعتكافه يوما عامدا أو جامع ليلا أو نهارا ناسيا أو قبل أو لمس أو باشر فسد اعتكافه ، أنزل أو لم ينزل ؛ لقوله تعالى : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد .

15032 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إن باشر أو قبل أو أنزل فسد اعتكافه .

15033 - وقال الشافعي : إن باشر فسد اعتكافه ، وقال في موضع آخر : لا يفسد الاعتكاف إلا بالوطء الذي يوجب الحد .

15034 - وهو قول عطاء .

15035 - وقال أبو ثور : إذا جامع دون الفرج أفسد اعتكافه .

15036 - وقال الزهري ، والحسن : ويجب عليه ما يجب على الواطئ في رمضان .

15037 - وروى ابن عيينة ، والثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه .

[ ص: 318 ] 15038 - وبه قال سعيد بن المسيب ، والقاسم ، وسالم ، وعطاء ، وجماعة الفقهاء ، وكلهم يلزمه الاستئناف إلا الشعبي ، فإنه قال : يتم ما بقي .

15039 - وقال مجاهد : يتصدق بدينارين .

15040 - قال أبو عمر : فساد الاعتكاف بالوطء لا شك فيه ، والعزم في الكفارة مختلف فيه ، ولا حجة لمن أوجبه ، فإن كان الاعتكاف في رمضان ووطئ فيه فكفارته كفارة الجماع في رمضان ، أو كان في غير رمضان فلا كفارة عليه ، وعليه قضاء اعتكافه .

15041 - ولا أعلم خلافا في المعتكف يطأ أهله عامدا أنه قد أفسد اعتكافه كما يفسد صومه لو فعل ذلك . فإن وطئ ناسيا فكل على أصله يقضي بفساد الصوم بالوطء ناسيا ، فالاعتكاف كذلك عنده فاسد ، ومن لم يفسد الصوم بالوطء ناسيا لم يفسد لذلك الاعتكاف ، وبالله التوفيق .