فصل : فإذا تقرر ما وصفنا لم يخل حال النائم قاعدا من أحد أمرين إما أن يكون متربعا أو محتبيا فإن جلس متربعا فلا وضوء عليه لما ذكرنا من حفظ الأرض لسبيله وإن
nindex.php?page=treesubj&link=221جلس على أليتيه رافعا لركبتيه محتبيا عليها ببدنه فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين .
أحدهما : أنه كالمتربع في سقوط الوضوء عنه لالتصاق أليته بالأرض .
[ ص: 182 ] والوجه الثاني : أنه كالمستند والمضطجع في وجوب الوضوء عليه لأنها جلسة لا تحفظ الأرض سبيله منها ، ولعل ما أخرجه
أبو إسحاق المروزي هو قول ثان في نوم القاعد محمول على هذا وكان
أبو الفياض البصري يفصل ذلك فيقول :
إن كان النائم على هذه الحال نحيف البدن معروق الألية انتقض وضوءه لأن السبيل لا يكون محفوظا ، وإن كان لحيم البدن تنطبق أليتاه على الأرض في هذا الحال لم ينتقض وضوءه لأن السبيل يصير محفوظا ، فلو
nindex.php?page=treesubj&link=221نام متربعا فغلبه النوم حتى مال عن جلوسه فإن ارتفعت أليتاه عن الأرض في ميله انتقض وضوءه ، وإن لم ترتفع فهو على وضوئه كما لو لم يمل .
وأما القسم الذي اختلف قوله في وجوب الوضوء منه من أقسام النوم فهو النوم في الصلاة فإن نام في موضع الجلوس كانت صلاته جائزة ووضوءه جائز .
وإن
nindex.php?page=treesubj&link=223_222_224نام في غير الجلوس إما في قيامه أو في ركوعه أو سجوده ففي بطلان وضوئه وصلاته قولان :
أحدهما : وهو قوله في القديم إن وضوءه صحيح وبه قال ثمانية من التابعين لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=64والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما [ الفرقان : 64 ] ، فأخرجه مخرج المدح وما يتعلق به المدح انتفى عنه إبطال العبادة ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" إذا نام العبد في سجوده باهى الله به الملائكة فيقول : عبدي روحه عندي وبدنه ساجد بين يدي " فأوجب هذا نفي الحدث عنه .
والقول الثاني : قاله في الجديد أن وضوءه قد انتقض وصلاته قد بطلت لما روي أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تنام في صلاتك فقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920759 " تنام عيناي ولا ينام قلبي " فدل على أن نوم القلب ناقض للوضوء ، ولأن ما كان حدثا في غير الصلاة كان حدثا في الصلاة كسائر الأحداث ، فلو تيقن المتوضئ النوم ثم شك فيه هل كان جالسا أو مضطجعا فلا وضوء عليه لأن الوضوء لا يجب بالشك .
فَصْلٌ : فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا لَمْ يَخْلُ حَالُ النَّائِمِ قَاعِدًا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَرَبِّعًا أَوْ مُحْتَبِيًا فَإِنْ جَلَسَ مُتَرَبِّعًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حِفْظِ الْأَرْضِ لِسَبِيلِهِ وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=221جَلَسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ رَافِعًا لِرُكْبَتَيْهِ مُحْتَبِيًا عَلَيْهَا بِبَدَنِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ كَالْمُتَرَبِّعِ فِي سُقُوطِ الْوُضُوءِ عَنْهُ لِالْتِصَاقِ أَلْيَتِهِ بِالْأَرْضِ .
[ ص: 182 ] وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ كَالْمُسْتَنِدِ وَالْمُضْطَجِعِ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا جِلْسَةٌ لَا تَحْفَظُ الْأَرْضُ سَبِيلَهُ مِنْهَا ، وَلَعَلَّ مَا أَخْرَجَهُ
أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ هُوَ قَوْلٌ ثَانٍ فِي نَوْمِ الْقَاعِدِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَكَانَ
أَبُو الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيُّ يُفَصِّلُ ذَلِكَ فَيَقُولُ :
إِنْ كَانَ النَّائِمُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ نَحِيفَ الْبَدَنِ مَعْرُوقَ الْأَلْيَةِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لِأَنَّ السَّبِيلَ لَا يَكُونُ مَحْفُوظًا ، وَإِنْ كَانَ لَحِيمَ الْبَدَنِ تَنْطَبِقُ أَلْيَتَاهُ عَلَى الْأَرْضِ فِي هَذَا الْحَالِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ لِأَنَّ السَّبِيلَ يَصِيرُ مَحْفُوظًا ، فَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=221نَامَ مُتَرَبِّعًا فَغَلَبَهُ النَّوْمُ حَتَّى مَالَ عَنْ جُلُوسِهِ فَإِنِ ارْتَفَعَتْ أَلْيَتَاهُ عَنِ الْأَرْضِ فِي مَيْلِهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَرْتَفِعْ فَهُوَ عَلَى وُضُوئِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَمِلْ .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الَّذِي اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مِنْ أَقْسَامِ النَّوْمِ فَهُوَ النَّوْمُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ نَامَ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ كَانَتْ صَلَاتُهُ جَائِزَةً وَوُضُوءُهُ جَائِزٌ .
وَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=223_222_224نَامَ فِي غَيْرِ الْجُلُوسِ إِمَّا فِي قِيَامِهِ أَوْ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ فَفِي بُطْلَانِ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ إِنَّ وُضُوءَهُ صَحِيحٌ وَبِهِ قَالَ ثَمَانِيَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=64وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [ الْفُرْقَانِ : 64 ] ، فَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْمَدْحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَدْحُ انْتَفَى عَنْهُ إِبْطَالُ الْعِبَادَةِ ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
" إِذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ : عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي وَبَدَنُهُ سَاجِدٌ بَيْنَ يَدَيَّ " فَأَوْجَبَ هَذَا نَفْيَ الْحَدَثِ عَنْهُ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ وُضُوءَهُ قَدِ انْتَقَضَ وَصَلَاتَهُ قَدْ بَطَلَتْ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّكَ تَنَامُ فِي صَلَاتِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920759 " تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ نَوْمَ الْقَلْبِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ حَدَثًا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَانَ حَدَثًا فِي الصَّلَاةِ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ ، فَلَوْ تَيَقَّنَ الْمُتَوَضِّئُ النَّوْمَ ثُمَّ شَكَّ فِيهِ هَلْ كَانَ جَالِسًا أَوْ مُضْطَجِعًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ .