قال الماوردي : وهذا كما قال :
أما فتجب الزكاة في قيمتهم ، أو في الفطر فتجب زكاة الفطر عنهم ، ولهذا موضع . فأما الخيل فلا زكاة فيها بحال كالحمير والبغال ، سواء كانت سائمة أو معلوفة ذكورا أو إناثا ، هذا مذهب الرقيق فلا يختلف العلماء أن لا زكاة في أعيانهم إلا أن يكونوا للتجارة الشافعي ، وبه قال من الصحابة عمر ، وعلي ، وعبد الله بن عمر ، وهو مذهب مالك والليث بن سعد ، والأوزاعي والثوري ، وأبي يوسف ومحمد .
وقال أبو حنيفة وزفر : إن كانت معلوفة فلا زكاة فيها كالماشية ، وإن كانت سائمة : فإن كانت ذكورا فلا زكاة فيها ، وإن كانت إناثا أو ذكورا وإناثا ففيها الزكاة ، وربها بالخيار إن شاء أخرج عن كل فرس دينارا وإن شاء قومها وأخرج ربع عشر القيمة من غير اعتبار نصاب ، احتجاجا برواية جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : في كل فرس سائمة دينار ، وليس في المرابطة شيء وبرواية علقمة عن ابن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : الخيل ثلاث : لرجل أجر ، ولآخر شين ، وعلى آخر وزر ، فأما الذي له الأجر فالذي يمسكها تعففا وتجملا ، فلا ينسى حق الله في ظهورها ورقابها ، ومما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [ ص: 192 ] قال : وإذا كان ذلك من خيار المال كان وجوبها فيه أولى من وجوبها في شراره ، قالوا : ولأنه ذو أربعة : أهلي يؤكل لحمه فوجب فيه الزكاة كالغنم . قالوا : ولأن الزكاة إنما تجب في الماشية لظهرها ونسلها ، وفي الخيل السائمة هذا المعنى موجود فيها ، فاقتضى أن تجب الزكاة فيها . خير المال سكة مأبورة ، ومهرة مأمورة
ودليلنا رواية عراك بن مالك عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ، وروى ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ، وروى ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق عاصم بن ضمرة ، عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " . عفوت لكم عن صدقة الخيل
وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . لا صدقة في فرس ولا عبد
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس في الجبهة ولا في النخة ولا في الكسعة صدقة . فالجبهة : الخيل ، والكسعة : الحمير ، فأما النخة فأبو عبيدة يرويها بضم النون وهي الرقيق ، والكسائي يرويها بفتح النون ، وقال : هي البقر العوامل بلغة الحجاز ، وقال الفراء : النخة أن يأخذ المصدق دينارا بعد فراغه من الصدقة وأنشد :
عمي الذي منع الدينار ضاحية دينار نخة كلب وهو مشهود
وروي أن أهل الشام كتبوا إلى عمر فقالوا : قد كثر عندنا الخيل والرقيق فزكه لنا ، فقال : لا آخذ شيئا لم يأخذه صاحباي ، وسأستشير . فاستشارهم فقالوا : حسن ، وعلي عليه السلام ساكت ، فقال : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال : لا بأس إن لم تكن جزية راتبة من بعدك ، [ ص: 193 ] فأخذ عمر من كل عبد عشرة دراهم ، ورزقه جريبين ، ومن كل فرس عشرة دراهم ، ورزقه عشرة أجربة شعيرا .
قال أبو إسحاق : فأعطاهم أكثر مما أخذ منهم ، قال أبو إسحاق : ولم تكن جزية ، ثم صار جزية راتبة في زمن الحجاج تؤخذ منهم ولا يعطون .
فالدلالة في هذا الحديث من وجوه :
أحدها : أنهم سألوه ، ولو كانت واجبة لبدأهم .
والثاني : أنه قال : لم يأخذ صاحباي ، ولو كانت واجبة لأخذاها .
والثالث : أنه استشار ، ولو كان نص ما استشار .
والرابع : أن عليا عليه السلام قال : إن أمنت أن لا تكون جزية راتبة فافعل ، ولو وجبت لكانت راتبة .
والخامس : أن عمر أعطاهم في مقابلتها رزقا ، ولو كانت واجبة لم يعطهم شيئا .
ويدل على ذلك من طريق المعنى : أن يقال : ، وعكسه المواشي ، ولأنه حيوان يسهم له فشابه الذكور ، ولأنه حيوان لا يضحى به فأشبه الحمير ، ولأنه ذو حافر فشابه الذكور ، ولأنه حيوان لم يجب فيه من جنسه فلم يجب فيه من غير جنسه كالدجاج . كل جنس من الحيوان لا تجب الزكاة في ذكوره إذا انفردت لا تجب في ذكوره وإناثه كالحمير والبغال
فأما الجواب عن حديث جابر : فرواية غورك السعدي وهو مجهول عند أصحاب الحديث ، فلا يصح الاحتجاج به ، ولو صح لكان الجواب عنه من وجهين استعمالا وترجيحا .
فأما الاستعمال في زكاة التجارة ، ويكون ذكر الدينار على وجه التقريب ، فإن قيل : قد نص على السوم ، والسوم غير مؤثر في زكاة التجارة ، قيل : إنما ذكره والله أعلم ليفرق بينه وبين الغنم ، فلا يظن أن سومها مسقط لزكاة التجارة كما أسقطها من النعم على أحد القولين . وأما الترجيح : فقد عارضه قوله : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ، وهو أولى من وجهين : أحدهما : أنه متفق على استعمال بعضه وهو الرقيق ، مختلف في استعمال بعضه وهو الخيل ، وخبرهم مختلف في استعمال جميعه ، فكان خبرنا أولى .
والثاني : أن خبرهم متقدم وخبرنا متأخر ؛ لأن قوله : ( عفوت ) يدل على إيجاب متقدم ، والمتأخر أولى ، وأما حديث ابن مسعود فالجواب عنه قريب من جواب ما تقدم ، أو يحمل [ ص: 194 ] على الجهاد ؛ لأنه قال ولا تنس حق الله في ظهورها ورقابها والزكاة لا تجب في الظهر ، وإنما الجهاد على الظهر ، وأما قوله خير المال سكة مأبورة فالمراد به الإخبار عن فضل الجنس دون إيجاب الزكاة ، وقد لا تجب الزكاة في خيار المال كالمعلوفة ، وتجب في شراره كمراض السائمة .
وأما قياسهم على النعم فالمعنى فيه أن الزكاة واجبة في ذكورها ، فلذلك وجبت في إناثها ، ولما لم تجب الزكاة في ذكور الخيل لم تجب في إناثها ، وأما قولهم : إن زكاة الماشية وجب لظهورها ونسلها فغير صحيح ، وإنما وجبت لدرها ونسلها ، والخيل لا در لها فلم تجب الزكاة فيها . والله أعلم بالصواب .