فصل : فأما  تعيين النية   فواجب عند  الشافعي   ، وفي كيفية تعيينها وجهان :  
أحدهما : وهو قول  أبي علي بن أبي هريرة   ينوي أن يصوم يوما من رمضان ، وإن لم يقل فرضا كما ينوي صلاة الظهر ؛ لأن شهر رمضان لا يكون إلا فرضا ، كما أن صلاة الظهر لا تكون إلا فريضة .  
والوجه الثاني : وهو قول  أبي إسحاق   ينوي أن يصوم فرضا من رمضان ولذلك في الظهر ينوي أن يصلي فريضة الظهر لا يجزئه غير هذا ؛ لأن المراهق قد يصلي الظهر ، ويصوم رمضان ، ولا يكونا له فرضا فافتقرت نيته إلى تعيين الفريضة ، فأما إن  نوى في شهر رمضان      [ ص: 403 ] صوما مطلقا   لم يجزه ، وكذلك لو  نوى نذرا أو كفارة أو تطوعا   لم يجزه عن رمضان ولا عما نواه ، وقال  أبو حنيفة      : إن كان مقيما انصرفت نيته إلى رمضان ، وإن كان مسافرا صح له ما نواه إلا أن يطلق النية ، أو ينوي صوم التطوع فتنصرف نيته إلى صوم رمضان ، وسوى  أبو يوسف   ومحمد   حكم السفر والحضر ، وصرفا النية فيهما إلى صوم رمضان ، واستدل من نصر قول  أبي حنيفة   بأن قال : زمان رمضان مستحق للصوم والشيء إذا تعين زمان استحقاقه لم يفتقر إلى تعيين النية له كزمان الفطر ، قالوا : ولأن النية إنما يقصد بها في الصوم تمييز إمساك العبادة من إمساك العادة والتعيين إنما يقصد به تعيين الفرض من النفل ، ووجدنا صوم رمضان لا يتنوع فرضا ونفلا ، فوجب أن لا يفتقر إلى تعيين النية له قالوا : وقد قال  الشافعي   مثل ذلك في الحج فيمن  أحرم بحجة تطوع وعليه حجة الإسلام   أنها تنتقل إلى فرضه ، وكذلك في  صوم رمضان إذا نواه عن نذر وكفارة ، أو تطوع   انتقلت نيته إلى فرضه ، والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى :  فمن شهد منكم الشهر فليصمه      [ البقرة : 185 ] ومعلوم أن هذه الهاء كناية عن الشهر وعائدة إليه ، فيصير تقدير الكلام فلينو الصيام له ، ولو أراد جنس الصوم مطلقا ، لقال : فليصم فلما قيده بالهاء دل على وجوب تعيين النية له ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم  إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى  فصريحه أن له ما ينويه ، ودليله أنه ليس له ما لم ينوه ، وهذا إذا نوى تطوعا لم ينو صوم رمضان ، فوجب أن لا يقع الاحتساب له بشيء لم ينوه ، وكان الظاهر يعطي حصول التطوع له ، غير أن دليل الإجماع أبطله ، ولأنها عبادة يفتقر قضاؤها إلى تعيين النية ، فوجب أن يفتقر أداؤها إلى تعيين النية ، أصله الصلاة وعكسه الحج ؛ لأن كل ما كان شرطا في الصوم قضاء كان شرطا فيه أداء كأصل النية ، ولأن البدل من شأنه أن يساوي حكم مبدله ، أو يكون أخف منه وأضعف ، فإما أن يكون آكد منه وأقوى فلا ، ثم كان تعيين النية في القضاء واجبا ، فبأن يكون واجبا في الأداء أولى ، وأما قولهم : إن زمان رمضان مستحق الصيام ، فلم يفتقر إلى تعيين النية ، قلنا فاسد بمن بقي عليه من وقت الصلاة قدر ما يفعلها فيه فقد استحق زمان فعلها ووجب عليه تعيين النية فيها ثم يبطل بالمسافر ، لأنهم يقولون لو نوى رمضان عن نذر أو كفارة أجزأ عما نواه ثم لا يلزمه تعيين النية فيه ، فعلم فساد هذا القول ، وأما قولهم : إن التعيين إنما يراد لما يتنوع فرضا ونفلا ، فيفسد أيضا بمن عليه صلاة فائتة فإنه يلزمه تعيين النية لها ، وإن لم تتنوع تلك الصلاة ، وأما ما ذكروه من الحج فغير صحيح ، لأننا مجمعون على الفرق بين الصيام والحج ؛ لأن عندنا أنه إذا أحرم بحجة التطوع انتقل إلى فرضه وأجزأه ، وعند  أبي حنيفة      : لا ينتقل عما نواه ، وعند  أبي حنيفة      : إذا نوى صيام التطوع انتقل إلى فرضه وأجزأه ، وعندنا أنه لا ينتقل إلى فرضه ، ولا يجزيه عما نواه وإذا وقع الفرق بينهما إجماعا لم يجزه اعتبار أحدهما      [ ص: 404 ] بالآخر ، على أن المعنى في الحج أنه لما لم يفتقر قضاؤه إلى التعيين ، لم يفتقر أداؤه إلى التعيين ، ولما افتقر قضاء الصوم إلى التعيين افتقر أداؤه إلى التعيين .  
				
						
						
