فصل : لا اختلاف بين العلماء أن من شهر رمضان لما روي عن ليلة القدر في العشر الأواخر أبي ذر الغفاري أنه قال : قلت يا رسول الله رفعت ليلة القدر مع الأنبياء أم هي باقية إلى يوم القيامة ؟ قال : " هي باقية " قلت : هي في رمضان أو في غيره ؟ قال : " في رمضان " قال قلت : هي في العشر الأول أو الأوسط أو الأخير قال : " هي في الأواخر " وروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " وروي عن التمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كل وتر زر بن حبيش قال قلت لأبي بن كعب : إن ابن مسعود يقول : من يقم الحول يراها فقال : رحم الله أبا عبد الرحمن ، قد علم أنها في رمضان ، ولكن أحب أن لا يتكل الناس على عمل رمضان ، ثم اختلفوا في موضعها من العشر فحكي عن أبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس أنها في ليلة سبع وعشرين ، أما أبي فكان يقسم بالله إنها في ليلة سبع وعشرين فقيل : وما آية ذلك ؟ قال : ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشمس تصبح لا شعاع لها ، وقد راعيت ذلك فوجدته في صبيحة سبع وعشرين وأما ابن عباس فإنه استدل بأن اعتبر كلمات السورة فوجدها ثلاثين كلمة بعدد ليالي الشهر ، ثم وجد الإشارة بقوله سلام هي [ القدر : 5 ] ، على رأس السابع والعشرين كلمة فعلم أن ليلة القدر في مثلها من الشهر ، وحكي عن آخرين أنها في أوسط العشر وهي ليلة خمس وعشرين ، تعلقا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في أوسط العشر فالتمسوها فيه " وحكي عن آخرين أنها في ليلة أربع وعشرين ، لما روي أن الأعرابي رآها على راحلته في ليلة أربع وعشرين ولرواية واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إبراهيم في أول ليلة من شهر [ ص: 484 ] رمضان وأنزل الزبور على داود في اثني عشر من شهر رمضان ، وأنزل الإنجيل على عيسى في ثماني عشرة من شهر رمضان ، وأنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم في أربع وعشرين من شهر رمضان " قالوا : وإنما نزل في ليلة القدر فدل أنها في أربع وعشرين . أنزلت صحف
قال الشافعي الذي يشبه أن تكون في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين لحديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أبو سعيد : ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه وأنفه أثر الماء والطين في صبيحة إحدى وعشرين قال أبو سعيد : وكان المسجد على عرش فوكف فأخذ رأيت هذه الليلة وخرجت لأعلمكم ، فتلاحا رجلان فأنسيتها ، ورأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين " قال الشافعي بهذه الرواية ، لأنها أصح ، وأوضح وإنما قال : أو ثلاث وعشرين لجواز الاشتباه على أبي سعيد من الواحد إلى الثلاث ، وذلك مأمون فيما زاد ولم يقطع الشافعي بذلك ، بل جوزها في جميع ليالي العشر وبخاصة في كل وتر ، لما روي عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين ، وليلة ثلاث وعشرين ، وليلة خمس وعشرين ، وليلة سبع وعشرين ، وليلة تسع وعشرين .
قال بعض الناس : يجوز أن يكون الله تعالى يجعل في كل عام في ليلة من العشر حتى لا يكون زمانها معروفا ليقع الجد في طلبها ، وترك الاتكال عليها ثقة بأن الله تعالى يجيب الدعاء فيها فيكون الناس على جد وحذر ، ولعمري أن لهذا القول وجه ، فلو قال رجل لامرأته : أنت طالق في ليلة القدر ، طلقت في أول ليلة تسع وعشرين
لأنها اليقين ، ويستحب لمن رأى ليلة القدر أن يكتمها ، ويدعو بإخلاص نية وصحة يقين بما أوجب من دين ودنيا ، ويكون أكثر دعائه لدينه ، وآخرته فقد روي عن عائشة أنها قالت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رأيت ليلة القدر بماذا أدعو فقال : " تسألي الله العافية في الدنيا والآخرة " .