مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا خير في شاة فيها لبن يقدر على حلبه بلبن من قبل أن في الشاة لبنا لا أدري كم حصته من اللبن الذي اشتريت به نقدا ، وإن كانت نسيئة فهو أفسد للبيع ، وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - للبن التصرية بدلا ، وإنما اللبن في الضرع كالجوز واللوز المبيع في قشره يستخرجه صاحبه أنى شاء ، وليس كالولد لا يقدر على استخراجه " .
قال الماوردي : لا يجوز . بيع شاة في ضرعها لبن بلبن
[ ص: 124 ] وقال أبو حنيفة بجوازه : لأن اللبن في الشاة تبع للشاة وغير مقصود في نفسه ، ولذلك جازت الجهالة فيه ، فلما جاز بيع ذلك بالدراهم لكون اللبن في الضرع تبعا وغير مقصود ، جاز بيعه باللبن .
ولأن اللبن لو كان مقصودا وكان الثمن عليه مقسطا لجاز إفراده بالعقد ، فلما لم يجز أن يكون بالعقد مفردا اقتضى أن يكون تبعا .
ولأن اللبن نماء كالحمل ، فلما كان الحمل تبعا ، فاللبن أولى أن يكون تبعا : لأن الحمل كأصله ، واللبن فرع من فروع أصله .
وهذا خطأ .
والدليل على أن اللبن في الضرع مقصود ويأخذ قسطا من الثمن " . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للبن التصرية بدلا فقال : إن رضيها أمسكها ، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر
فلولا أن العقد يتناول الشاة ولبنها الذي في الضرع كما يتناوله إذا كان محلوبا في إناء ، لأسقط - عليه السلام - غرمه في استهلاكه مع قضائه أن الخراج بالضمان .
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " " . لا يحلبن أحدكم شاة أخيه بغير أمره ، ضروع مواشيكم خزائن طعامكم ، أيحب أحدكم أن يأتي خزانة أخيه فيأخذ ما فيها
فجعل ما في الضرع من اللبن مثل ما في الخزانة من المتاع ، فلما كان متاع الخزانة مقصودا يتقسط عليه الثمن وجب أن يكون لبن الضرع مقصودا يتقسط عليه الثمن .
وإذا ثبت بهذين الخبرين أن لبن الضرع مقصود يتقسط عليه الثمن ، لم يجز بيع شاة في ضرعها لبن بلبن ، كما لا يجوز بيع شاة ولبن محلوب بلبن ، لأجل التفاضل ، كما قلنا في مد تمر ودرهم بمدي تمر . فأما استدلاله على كونه تبعا لجهالة قدره وجواز بيعه بالدراهم فالجواب : أن جهالة قدره غرر ، والغرر اليسير في البيع مجوز للضرورة . وبيعه باللبن ربا ، والربا اليسير في البيع غير مجوز مع الضرورة .
وأما استدلاله بأنه لما لم يجز إفراد لبن الضرع بالعقد دل على أنه ليس له في الثمن قسط ، فالجواب عنه أن يقال : ليس كل ما جاز بيعه مفردا اقتضى ألا يأخذ من الثمن قسطا . [ ص: 125 ] ألا ترى أن الثمرة قبل بدو صلاحها يجوز بيعها تبعا لنخلها ، ولا يجوز بيعها مفردا ، وقد أجمعوا أنها تأخذ من الثمن قسطا .
وكذلك يجوز بيعه تبعا للدار ، وإن لم يجز بيعه مفردا ، وقد اتفقوا أنه يأخذ من الثمن قسطا كذلك اللبن في الضرع . أساس الدار
فأما إلحاقه بالحمل فللشافعي في الحمل قولان :
أحدهما : أنه يأخذ قسطا من الثمن فعلى هذا يسقط السؤال .
والثاني : يكون تبعا .
والفرق بينهما : ما ذكره الشافعي : أن اللبن في الضرع كالجوز واللوز المبيع في قشوره يستخرجه صاحبه إذا شاء ، وليس كالدر لا يقدر على استخراجه . يعني : أن اللبن في الضرع مقدور عليه ، والحمل غير مقدور عليه .
فصل : فأما فباطل أيضا لما ذكرنا . بيع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن
وقال أبو الطيب بن سلمة : يجوز : لأنه لما جاز بيع السمسم بالسمسم ، وإن كان فيهما دهن غير ظاهر ، كذا يجور بيع شاة بشاة وإن كان فيهما لبن غير ظاهر . وهذا خطأ : لأن الشاة واللبن جميعا مقصودان بالعقد على ما بينا ، وليس كالدهن في السمسم : لأن دهن السمسم لا يمتاز عن كسبه فيصيران مقصودين ، وإنما الدهن تبع فلم يكن به معتبرا ، وجرى بيع الشاة التي في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن مجرى بيع نخلة فيها رطب بنخلة فيها رطب ، لما لم يجز : لأن كل واحد من النخل والرطب مقصود ، لم يجز في مسألتنا : لأن كل واحد من الشاة واللبن مقصود .
فصل : فأما فجائز لعدم الربا ، كما يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بشاة لبون ليس في ضرعها لبن ، ولكن لو بيع نخلة فيها رطب بنخلة ليس فيها رطب لم يجز ، لا من جهة الربا ، ولكن من حيث أن باع شاة في ضرعها لبن بشاة مذبوحة ليس في ضرعها لبن لا يجوز . بيع اللحم بالحيوان
فأما إذا ، ففيه قولان : أحدهما : باطل إذا قيل إن الألبان جنس واحد . باع شاة في ضرعها لبن ببقرة في ضرعها لبن
والثاني : يجوز إذا قيل إن الألبان أجناس .
وإذا كان بيع الشاة التي في ضرعها لبن لا يجوز باللبن ، لم يجز أيضا بالزبد ، ولا بالسمن ، ولا بالمصل ، ولا بالأقط ، كما لا يجوز بيع اللبن بشيء من ذلك .
فصل : فأما إذا باع دجاجة فيها بيض ببيض ، فعلى قولين مخرجين من اختلاف قوليه في الحمل . هل يكون تبعا أو يأخذ قسطا من الثمن : لأن البيض كالحمل .
[ ص: 126 ] فإن قيل إن الحمل تبع جاز ، لأن ما مع الدجاجة من البيض تبع . بيع الدجاجة التي فيها بيض بالبيض
وإن قيل إن الحمل يأخذ قسطا من الثمن لم يجز : لأن لا يجوز على قوله الجديد . بيع البيض بالبيض
فصل : إذا باعه ، فإن قيل : إن الماء لا ربا فيه على أحد الوجهين ، جاز هذا بكل حال ، وإن قيل في الماء الربا ، لم يخل حال الماء الذي في الدار من أحد أمرين : دارا فيها ماء بدار فيها ماء
إما أن يكون محرزا في الأجباب أو حاصلا في الآبار .
فإن كان في الأجباب فهو مملوك لا يختلف ، وهذا بيع غير جائز : خوف التفاضل في الماء ، كما لا يجوز بيع شاة معها لبن بشاة معها لبن .
وإن كان الماء في الآبار ، فقد كان بعض أصحابنا يزعم أن ماء البئر يكون ملكا لمالك البئر كما يملك بالإجارة في الأجباب .
فعلى هذا يمنع من ، إلا أن يكون الماء ملحا فيجوز : لأن الماء الملح غير مشروب ولا ربا فيه . بيع دار ذات بئر فيها ماء بدار ذات بئر فيها ماء
وذهب جمهور أصحابنا ، وهو ظاهر مذهب الشافعي ، إلى أن ماء البئر لا يملك إلا بالأخذ والإجارة ، وكذلك ماء العين والنهر ، وإنما يكون لمالك البئر منع غيره من التصرف في بئره أو نهره . فإن تصرف غيره وأجاز المالك كان ما أجازه أملك به من صاحب البئر .
وإنما لم يملك ماء البئر إلا بالإجارة لأمرين :
أحدهما : أن من اشترى دارا ذات بئر فاستعمل ماءها ، ثم ردها بعيب لم يلزمه للماء غرم ، ولو كان مملوكا لزمه غرمه كما يغرم لبن الضرع .
والثاني : أن مستأجر الدار له أن يستعمل ماء البئر ، ولو كان على ملك صاحب الدار لم يكن له استعماله ، فثبت بهذين أن الماء لا يملك إلا بالإجارة .
فعلى هذا يجوز بيع دار ذات بئر فيها ماء بدار ذات بئر فيها ماء .