فصل : وإن كان المبيع منقولا ، فلا يخلو حاله من أحد أمرين :
إما أن يكون جزافا أو مقدرا بكيل أو وزن ، فإن كان جزافا غير مكيل ولا موزون كصبرة من طعام ، أو ثوب ، أو عبد ، أو دابة ، أو سفينة فقبض ذلك تحويله ونقله .
وقال أبو حنيفة : قبض هذا بالتخلية والتمكين دون النقل والتحويل ، كالدور والعقار . وهذا خطأ : لرواية معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : ولأنه منقول فلم يتم قبضه بمجرد التمكين كالمكيل . رأيت الناس يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا الطعام جزافا أن يبيعه حتى ينقله إلى رحله
وإذا ثبت أن نظر : فإن كان البائع قد قبض ثمنه جاز للمشتري أن ينفرد بنقله من غير حضور البائع ولا إذنه : لأنه لا حق للبائع في منعه ، فلم يفتقر المشتري في القبض إلى إذنه . فإن لم يكن البائع قد قبض الثمن أو بقيت له منه بقية لم يكن للمشتري نقله إلا عن إذن البائع دون حضوره : لأنه يستحق حبسه على ثمنه ، ثم لا يستقر القبض بالتحويل إلا بعد إخراجه من الحرز الذي كان فيه إلى غيره ، فإن نقله من أحد جانبي الدار إلى الجانب الآخر لم يتم القبض ، وكذلك لو نقله من علو الدار إلى سفلها ، أو من سفلها إلى علوها لم يتم القبض : لأن الحرز واحد ، ولو نقله من بيت في الدار إلى بيت آخر فيها لم يجز إلا أن تكون الدار خانات للتجار ، وكل بيت فيها حرز مفرد لرجل ، فيتم القبض لاختلاف الاحتراز ، فإذا نقله عن الحرز الذي كان فيه استقر القبض وإن لم يجعل في حرز المشتري ، فلو لم ينقله المشتري من حرز البائع حتى اشترى الحرز منه لم يلزمه نقله واستقر قبض الطعام بالتمكين من حرزه الذي ابتاعه : لأنه إذا ملك الموضع مع ما فيه لم يلزمه نقل ما فيه ، ألا ترى أنه لو اشترى دارا مع ما فيها من المتاع لم يفتقر قبض المتاع إلى تحويله من الدار ، وكان تمكينه من الدار قبضا للدار ، ولما فيها من المتاع ، فلو استعار الحرز ولم يشتره لم يكن ذلك قبضا ولو استأجره كان فيها وجهان : قبضه لا يتم إلا بالنقل والتحويل
أحدهما : يكون قبضا لأنه بالإجارة قد ملك المنافع .
والثاني : لا يكون ذلك قبضا حتى ينقل لأن ملك الحرز لم ينتقل .