مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " لم يجز بحال : لأنه بيع السلم قبل أن تستوفى " . وإن أعطاه مكان كيل وزنا ، أو مكان وزن كيلا ، أو مكان جنس غيره ،
قال الماوردي : وهذه المسألة تشتمل على فصلين أحدهما : أن يسلم في مقدر فيقبض بغيره ، والثاني : أن يسلم في جنس فيأخذ غيره .
فأما الفصل الأول : فهو أن يسلم في الشيء كيلا فيقبضه بالوزن ، أو يسلم فيه موزونا فيقبضه بالكيل ، فلا يصح هذا لا من جهة الربا ، ولا من حيث إن القبض لم يقع موقعه : لأن قبض المكيل يتم بالكيل ، وقبض الموزون يكون بالوزن ، ولا يكون قبض المكيل بالوزن ، ولا قبض الموزون بالكيل ، لأن المقدر بالوزن ، إذا كيل إنما زاد على الوزن أو نقص منه ، وكذا المقدر بالكيل إذا وزنه زاد على الكيل ، أو نقص منه فيؤدي إلى الجهالة في استيفاء الحق ، فلذلك لم يتم القبض به .
[ ص: 415 ] وإذا كان كذلك ، وقبض المسلم مكان كيل وزنا أو مكان وزن كيلا ، لم يتم القبض به ، ولم يجز للمسلم بيع ذلك ، حتى يكتال منه المكيل ، ويزن منه الموزون ، لكنه يكون مضمونا عليه : لأن قبضه عن عقد معاوضة ، فإن تلف في يده كان مضمونا عليه ، والقول في قدره بعد التلف قوله مع يمينه ، ولا يحتسب بذلك عليه من سلمه : لأنه قد صار بالتلف مضمونا في ذمته ، فلو جعل قصاصا لكان بيع دين بدين ، فعليه غرم ما تلف عن يده وله المطالبة ، بما أسلم على مثل صفته .
وأما الفصل الثاني : وهو أن يأخذ مكان جنس غيره ، فهو أن يسلم في حنطة فيأخذ بدلها شعيرا ، أو في تمر فيأخذ بدله زبيبا ، أو في غنم فيأخذ بدلها بقرا ، فهذا غير جائز : لأنه إذا عدل عن الجنس إلى غيره صار معاوضا عليه ، وبائعا للسلم قبل قبضه ، فأما إذا أسلم في نوع من جنس فيأخذ بدله نوعا آخر من ذلك الجنس ، مثل أن يسلم في تمر برني فيأخذ مكانه تمرا معقلا ، أو يسلم في غنم ضأن فيأخذ بدلها معزى ، ففيه وجهان :
أحدهما : وهو محكي عن أبي إسحاق المروزي ، لا يجوز : لأن النوع مخالف كالجنس ، فلما لم يجز أن يعدل عن الجنس إلى غيره ، لم يجز أن يعدل عن النوع إلى غيره .
والوجه الثاني : وهو محكي عن أبي علي بن أبي هريرة أن ذلك جائز : لأن الجنس يجمعهما وإن تنوعا ، وهذا أصح : لأن النوعين إذا جمعهما الجنس ، وجب ضمهما في الزكاة ، وجرى على كل واحد منهما فيها حكم الآخر ، وخالف الجنسين ، ولأنه لو اشترى جنسا فبان غيره بطل البيع ، مثل أن يشتري ثوب قطن ، فتبين أنه ثوب كتان ، فيكون البيع باطلا ، فإذا اشترى ثوبا على أنه مروي فبان أنه هروي فالبيع جائز : لأن الجنس واحد وإن تنوعا ، وعلى هذا الوجه إن كان الذي أعطاه خيرا من النوع الذي يستحق أجبر المسلم على قبوله ، وإن كان دونه لم يجبر عليه إلا أن يرضى به ، فيجوز أن يقبله .