مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه " وإن اقتضى الرهن لم يكن لصاحبه إخراجه من الرهن حتى يبرأ مما فيه من الحق " .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن عقد الرهن يلزم بالقبض ، لأنه وثيقة على الراهن ، فكان لازما من جهته ليصح الاستيثاق به إذا أراد فسخه قبل قضاء الحق لم يكن له ، لأنه وثيقة للمرتهن . فإذا قبض المرتهن الرهن صار لازما من جهة الراهن دون المرتهن ،
فإذا صح هذا وتم الرهن بالقبض فقضى الراهن بعض الحق كان جميع الرهن بحاله رهنا في يد مرتهنه بما بقي من حقه .
وإنما كان كذلك : لأن جميع الرهن وثيقة بجميع الحق وبكل جزء منه ، فلم يجز أن يخرج شيء من الرهن مع بقاء شيء من الحق ، ألا ترى أن ذمة الضامن معقولة بالحق وبكل جزء منه ، فلم تبرأ ذمة الضامن مع بقاء شيء من الحق ، ولأنه لو تلف بعض الرهن كان جميع الرهن رهنا بما بقي منه كذلك إذا قبض بعض الحق كان جميع الرهن رهنا بما بقي منه .
فعلى هذا لو قال : قد رهنتك عبدي هذا بألف على أنني كلما قضيتك منها مائة خرج عشرة من الرهن ، كان الرهن فاسدا لاشتراطه ما ينافيه فلو طالبه المرتهن بحقه ، وسأل فكاك الرهن من يده ، فقال الراهن : لا أدفع الحق إلا بعد استرجاع الرهن ، وقال المرتهن : لا أرد الرهن إلا بعد قبض الحق ، فالقول قول الراهن ، وليس عليه دفع الحق إلا بعد إحضار الرهن ، فإذا حضر لم يلزم المرتهن دفعه إلا بعد قبض الحق .
[ ص: 31 ] فصل : إذا قال : قد رهنتك عبدي هذا بالألف التي لك علي إلى سنة ، على أنني إن قضيتك الألف مع السنة فالرهن لي ، وإن لم أقضك مع السنة فالرهن لك قد بعته عليك بالألف فهذا رهن باطل وبيع باطل .
أما الرهن فلأنه شرط فيه ما ينافيه إذ ليس من حكم الرهن أن يملك بالحق عند تأخر قضائه ، وأما البيع فلأنه معلق بصفة ، وعقد البيع لا يجوز أن يعلق بالصفات .
فإذا ثبت بطلان وكان المرتهن قد قبض هذا الرهن فهو غير مضمون عليه في السنة ، فإذا انقضت السنة صار مضمونا عليه ، وإنما كان غير مضمون عليه في السنة ، ومضمونا عليه بعد السنة ، لأنه في السنة مقبوض عن رهن فاسد والرهن الفاسد غير مضمون ، لأن الرهن الصحيح غير مضمون ، وهو بعد السنة مضمون عن بيع فاسد ، والبيع الفاسد مضمون ، لأن البيع الصحيح مضمون . الرهن والبيع
فصل : ولو قال : قد رهنتك عبدي هذا بألف إلى سنة ، فإن قضيتك الألف مع السنة فالعبد لي ، وإن لم أقضك فالعبد لك ، وقد بعته عليك ، كان الرهن جائزا ، والبيع باطلا ، بخلاف المسألة المتقدمة ، لأنه لم يقل : على أنني إن لم أقضك فقد بعته عليك فيخرجه مخرج الشرط ، وإنما قال : فإن لم أقضك فقد بعته عليك ، فأخرجه مخرج الخبر ، فلم يقدح في صحة الرهن .
وبطل البيع كما بطل في المسألة الأولى لتعلقه بالصفة كتعلقه بها في المسألة الأولى ثم هو قبل السنة غير مضمون على المرتهن ، لأنه مقبوض عن رهن صحيح ، وبعد السنة مضمون على المرتهن لأنه مقبوض عن بيع فاسد .
فصل : نظر في غراسه ، فإن كان قد غرسه قبل تقضي السنة كان للراهن أن يأخذه بقلصه ولا يغرم أرش نقصه ، وإن كان قد غرسه بعد تقضي السنة لم يكن للراهن أن يأخذه بقلعه ، إلا أن يغرم أرش نقصه . فلو كان المرهون في المسألتين جميعا أرضا ، فغرسها المرتهن ،
والفرق بينهما : أنه قبل السنة غير مأذون له في الغرس ، لأنه رهن بيده ، ولا يجوز للمرتهن أن يتصرف فيما بيده ، فصار متعديا ، فلذلك أخذ بقلعه ، وبعد السنة مأذون له في الغرس لأنه مبيع عليه ، وللمشتري أن يتصرف فيما ابتاعه ، فلذلك لم يؤخذ بقلعه .
فصل : لم يجز ، وكان رهنه بها فاسدا : لأن أصل الدين مضمون على العبد فلم يجز أن يجعل رهنا في الدين ، لأن الوثيقة غير الموثوق فيه . إذا تزوج العبد امرأة بإذن سيده على صداق ألف ، ثم إن السيد ضمن لها الألف عن عبده وأعطاها العبد نفسه رهنا بالألف
[ ص: 32 ] ونظيره من الضمان : أن يضمن زيد عن عمرو ألفا ثم يعود عمرو ليضمنها عن زيد ، فيكون ضمان زيد باطلا .
فأما إذا حصل لزوجة العبد على سيده مال عن معاملة فأعطاها زوجها رهنا بمالها عليه كان ذلك جائزا ، والنكاح بحاله : لأن ارتهانها له استيثاق به في الحق فلم يمنع صحة النكاح .