مسألة : مقدار القلتين
وروى الشافعي رضي الله عنه عن ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يحضر الشافعي ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لم يحمل نجسا وقال في الحديث أو قربتين بقلال إذا كان الماء قلتين هجر " وقال ابن جريج : وقد رأيت قلال هجر ، فالقلة تسع قربتين وشيئا ، قال الشافعي : والاحتياط أن تكون القلتان خمس قرب ، قال وقرب الحجاز كبار " .
قال الماوردي : وهذا كما قال قد مضى الكلام في أن القلتين حد لما ينجس من الماء ، ولا ينجس ، فلم يكن بد من تحديد القلتين ، ومعرفة قدرهما ليصير الحد بها معلوما ، وإذا كان كذلك فالقلتان : هما من قلال هجر لثلاثة أشياء :
أحدها : أن الشافعي روى عن ابن جريج بإسناد لم يحضر الشافعي ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بقلال هجر " فإن قيل فهذا مرسل ، والمراسيل عنده ليست بحجة ، قيل : هو مسند عن الشافعي وإن نسي إسناده ومرسل عند غيره ، فيلزم الشافعي العمل به لإسناده ، وإن لم يلزم به لإرساله .
والثاني : أن قلال هجر هي أكبر قلال بالمدينة ، وما جعل معدود المقادير حدا لم [ ص: 334 ] يتناول إلا أكثرها : لأنه أقل في العدد ، وأقرب إلى العلم ، ألا ترى أنه قدر نصاب الزكاة خمسة أوسق : لأن الوسق أكبر مقدار لهم ، ولم يقدره بالمد ، ولا بالصاع .
والثالث : أن قلال هجر متماثلة لا تختلف ، وغيرها من القلال قد تختلف بالصغر والكبر ، وما يختلف لا يجوز أن يجعل حدا : لأنه لا يفيد العلم بالمحدود ، والدليل على أن قلال هجر متماثلة ما روى قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في وصف سدرة المنتهى " رأيت أوراقها كأذان الفيلة ونبقها كقلال هجر " فلو كانت قلال هجر مختلفة المقدار لما علموا بهذا التشبيه قدر نبقها ، ولكان هذا القول لغوا فإذا ثبت ما ذكرناه من النص والاستدلال أنها بقلال هجر فليست مجلوبة من هجر البحرين ، وإنما هي معمولة بالمدينة واختلفوا في سبب نسبتها إلى هجر ، فقال بعضهم : لأنها تعمل بقرية من قرى المدينة ، تسمى هجر ، وقال آخرون : بل سميت بذلك : لأنها عملت على مثال قلال هجر ، كما يقال : ثوب مروي وإن عمل بالعراق : لأنه على مثال ما يعمل بمرو .