[ ص: 243 ] باب ما يفسد الرهن من الشرط وما لا يفسده وغير ذلك
قال الشافعي رضي الله عنه : " إن اشترط المرتهن من منافع الرهن شيئا فالشرط باطل " .
قال الماوردي : عقد هذا الباب ومقدمته وما تبنى عليه مسائله أن على أربعة أضرب : الشرط في الرهن
أحدها : ما كان من موجباته .
والثاني : ما كان من جائزاته .
والثالث : " ما كان من ممنوعاته الناقصة .
والرابع : ما كان من ممنوعاته الزائدة .
فأما الضرب الأول منها وهو ما كان من موجباته ، فمثل اشتراط سقوط ضمانه عن مرتهنه ، وتمليك منافعه لراهنه ، وبيعه عند حلول أجله ، وقضاء الحق من ثمنه عند تعذر قبضه ، وهذه وما بينا كلها من موجبات الرهن لو لم يشترطها لوجبت وإذا اشترطها تأكدت .
وأما الضرب الثاني منها وهو ما كان من جائزاته ، فمثل اشتراط وضعه على يد عدل يرضيان به ، والتوكيل في بيعه نيابة لراهنه ومرتهنه ، فإن شرط هذا مع العقد أو بعده صح العقد وجاز الشرط ، وإن أخلا بتعيينه وبالشرط صح العقد وسقط الشرط ، فأما حلول الرهن وتأجيله فليس من جائزات الرهن ، وإنما هو من موجبات الدين لا عقد الرهن ، فيجب أن يكون بحسب الدين من حلوله وتأجيله ، فإن كان الدين حالا وجب أن يكون عقد الرهن حالا ، فإن عقد مؤجلا بطل : لأن الرهن مما أمكن استيفاء الدين منه عند استحقاقه ، وإن كان الدين مؤجلا وجب أن يكون عقد الرهن مؤجلا ، فإن عقده حالا بطل : لأن الرهن ما أمكن استدامة التوثق إلى حلول الدين : فلذلك وجب أن يكون حلول الرهن وتأجيله على حسب الدين وتأجيله .
والضرب الثالث منها : وهو ما كان من ممنوعاته الناقصة قبل اشتراط تأخير بيعه شهرا بعد حلول أجله أو يمتنع من بيعه عند حلوله إلا باختيار راهنه ، أو يباع بيمين عند [ ص: 244 ] استحقاق بيعه ، فإذا بيع لم يستوف جميع الحق من ثمنه ، فهذه وما شاء كلها شروط يمنع الرهن منها ، وهي شروط ناقصة فكانت باطلة ، لمنافاتها مقتضى العقد ، وكان الرهن باطلا لأنها تمنع من موجب الرهن ، وإذا بطل الرهن بها ، فإن ؟ على قولين : كان الرهن مشروطا في بيع فهل يبطل أم لا
أحدهما : يبطل البيع ببطلانه ، لأن الرهن من مقابلة جزء من الثمن ، بدليل أن الثمن في العرف يزيد بعدمه ، وينقص باشتراطه كالخيار والأجل ، وإذا بطل الرهن بطل من الثمن ما قابله وذلك مجهول ، ويؤدي إلى جهالة باقي الثمن ، والثمن المجهول يبطل صحة البيع .
والقول الثاني إن البيع جائز ، والمرتهن بالخيار بين إمضاء البيع وفسخه ، وإنما كان البيع جائزا وإن بطل الرهن : لأن الرهن عقد يصح إفراده عن البيع ، فإذا اقترن به وجب أن يختص بحكمه فلا يكون فساده موجبا لفساد البيع المقترن به ، كالصداق الذي لما صح أن يكون مفردا عن النكاح لم يكن بطلانه مبطلا للنكاح ، وبهذا فارق الخيار والأجل الذين لما لم يمكن إفرادهما عن العقد كان بطلانهما مبطلا للعقد ، وقال أبو إسحاق : لا يجوز أن يقال : إن الرهن في مقابلة جزء من الثمن لجواز اشتراطه في القرض الذي لا يجوز الزيادة عليه بشرط .