فصل : وإذا فللبائع استرجاع ماله ، وقال مات المشتري مفلسا مالك : قد سقط بموت المشتري رجوع البائع بعين ماله فلا حق له فيه ويضرب مع الغرماء بثمنه ، استدلالا بروايته عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وهذا نص ، قال : ولأن المبيع بعد الموت قد صار ملكا لوارثه فلم يجز أن ينتزع منه بفلس غيره كما لا يجوز أن ينتزع ممن انتقل إليه ببيع أو غيره ، قال : ولأن ديون الميت قد انتقلت بالموت من ذمته إلى عين تركته ، فاستوى البائع وجميع الغرماء في تعلق حقوقهم بأعيان تركته ، والدليل على ما قلناه قول النبي صلى الله عليه وسلم : أيما رجل باع من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به ، فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء ، ولأنه لما استحق بفلس الحي أن يرجع بعين ماله مع بقاء ذمته فرجوعه بفلس الميت أولى ذمته ، ولأن كل حق تعلق بالعين لم يبطل بالموت مع بقاء العين كالرهن إذا مات راهنه والعبد الجاني إذا مات سيده ، وأيضا مما استدل به أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه الشافعي من أن أقوى أحوال الوارث أن يكون مثل موروثه ، فلما لم يكن للمفلس أن يمنع البائع من الرجوع بعين ماله فوارثه أولى أن لا يكون له منع البائع من الرجوع بعين ماله ، اعترض المزني على هذا الاستدلال فقال : قد قال الشافعي في الحبس : إذا هلك أهله رجع إلى أقرب الناس بالمحبس ، قد جعل الأقرب بالمحبس في حياته ما لم يجعل للمحبس [ ص: 274 ] يريد : أن كان الوقف راجعا إلى أقرب الناس بالواقف ، ولا يرجع إلى الواقف ، لكن روى الرجل إذا وقف على أولاده فهلكوا في حياته المزني : أنه يرجع إلى أقربهم ، فظاهر هذا استواء الأغنياء فيه والفقراء ، وروى حرملة : أنه يرجع إلى الفقراء من قرابته ، وليس ذلك على قولين كما وهم بعض أصحابنا فيه ، وأما الإطلاق في رواية المزني محمول على المقيد في رواية حرملة ، قال المزني : قد جعل لورثته ما لم يجعل له في حياته ، فأجاب أصحابنا عن ذلك بجوابين :
أحدهما : وهو جواب أبي إسحاق المروزي : أن لهذا المعنى ، وهذا معدوم في قرابته . الواقف أخرج الوقف لله فلم يجز أن يعود إليه
والجواب الثاني : وهو جواب أبي علي بن أبي هريرة : أن لأن الحي لا يورث ، ولأن رجوع الوقف إلى قرابة الواقف ليس بالإرث رجع الوقف إلى بنت البنت وإن لم تكن وارثة لأنها أقرب ، ولم يرجع إلى العم وإن كان وارثا لأنه أبعد ، فإذا لم يرجع الوقف إليهم بالإرث لم يقوموا فيه مقامه فجاز أن يكون أقوى منه ، ومال المفلس إنما صار إلى ورثته بالموت فلم يجز أن يكونوا فيه أقوى منه ، فأما الجواب عما استدل به الواقف لو ترك بنت بنت وعما مالك من الخبر فهو أنه مرسل والاحتجاج به لا يلزم ، ولو التزمناه لكان محمولا على أحد وجهين :
إما أن يحمل على من مات موسرا .
وإما أن يحمل على البائع إذا لم يرد الرجوع بعين ماله ، وأما الجواب عن قولهم أنه قد انتقل بالموت إلى ملك وارثه فهو أن الملك انتقل بالموت إلى ملك الوارث على الوجه الذي كان على ملك المورث ، ألا ترى أنه لو مات عن شقص قد استحق بالشفعة كان الشقص منتقلا إلى الوارث مع ما قد تعلق به من استحقاق الشفعة ، كذلك مال المفلس قد انتقل إلى الوارث بما قد تعلق به من حق الاسترجاع ، وأما الجواب عن قولهم : إن ديون الميت قد انتقلت بتلف الذمة إلى عين ماله فاستوى البائع وجميع الغرماء فهو أن هذا غير صحيح : لأنه لو تعلقت حقوقهم بعين ماله لما جاز للورثة أن يقضوا ديونهم من أموالهم على أننا لو سلمنا هذا لكانت متعلقة بما سوى الأعيان التي بيعت عليه لتعلق حقوق بائعها بها .