مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويترك له من ماله قدر ما لا غنى به عنه ، وأقل ما يكفيه وأهله يومه من الطعام والشراب ، وإن كان لبيع ماله حبس أنفق منه عليه وعلى أهله كل يوم أقل ما يكفيهم من نفقة وكسوة كان ذلك في شتاء أو صيف حتى يفرغ من قسم ماله بين غرمائه " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : واجبة في ماله ، وكذلك مئونة من يلزمه الإنفاق عليه من الأقارب والزوجات يقدم بها على الغرماء وأصحاب الديون ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : مئونة المفلس في زمان حجره ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين قال : إن معي دينارا قال : ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ولأنه بالحجر مسلوب النفع معطل الكسب ، ولأنه لو لم يكن ذا مال لوجب نفقته على كافة المسلمين ، فوجب إذا كان له مال أن يقدم بإنفاق منه ، فإن قيل : إنما يتقدم بنفقة نفسه فأما نفقة أقاربه التي هي مواساة وهو بنفسه ليس من أهل المواساة فلم يقدم بها قيل : لأن أنفقه على نفسك ، قال : إن معي آخر ، قال : أنفقه على زوجتك ، قال : إن معي آخر ، قال : أنفقه على ولدك ، فأجريت على ذلك بعد فلسه ، فإذا تقرر أنه مستحق في مدة حجره تقدر مؤنته ومؤنة زوجته وأقاربه . نفقات الأقارب تجري قبل الفلس مجرى نفقة نفسه
فالمئونة : هي القوت والكسوة ، فأما القوت فمقدر الزمان بمدة حجره ومعتبر القدر بحسب كفايته ، فإن كانت مدة الحجر يوما واحدا لم ينفق عليه أكثر منه ، وإن كانت شهرا لم يقصر عنه ، ولا يعتبر في القوت حال شهواته وملاذه ، وإنما يعتبر قوت مثله الذي لا يستغني عنه ، وأما الكسوة فإن كانت عليه كسوة متماسكة ليس فيها سرف تركت على حالها ولم يكن غيرها [ ص: 327 ] ، وإن لم يكن عليه كسوة ، أو كانت قد أخلقت اشترى له من ماله كسوة مثله ولا يعتبر أن تكون كافية لمدة حجره كما اعتبرنا في القوت لأمرين :
أحدهما : أن تبعيض القوت ممكن ، وتبعيض الكسوة على الزمان غير ممكن .
والثاني : أنه لا بد بعد فك الحجر عنه أن يكون مستور العورة معرضا للكسب بما يتجمل به من ثياب ، فإن كان الزمان شتاء فكسوة مثله في الشتاء ، وإن كان صيفا فكسوة مثله في الصيف ، ولا يلزم أن يجمع له بين كسوة الشتاء والصيف .