فصل : وأما الفصل الثاني وهو في فيصير وكيلا فهو أن كل من ملك التصرف في شيء تصح فيه النيابة جاز أن يكون وكيل غيره فيه . من يجوز أن يتوكل لغيره
وإذا كان كذلك فأحوال الناس تنقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : من يجوز تصرفه في عموم الأحوال وهو البالغ العاقل الحر الرشيد فيجوز أن يتوكل في كل ما تصح فيه الوكالة .
فأما فيما لا ولاية فيه . الفاسق فتصح وكالته
فأما ما فيه ولاية فضربان :
ضرب تكون ولايته على غير الإذن فيما عليه ، كولي اليتيم فلا يصح أن يكون وكيلا له ولا قيما عليه .
وضرب تكون ولايته على الإذن كالنكاح فإن كان التوكيل من جهة الزوج جاز أن يوكل فاسقا لأن عقد النكاح في حق الزوج لا يفتقر إلى ولاية عليه وإنما هي نيابة عنه .
وإن كان التوكيل من جهة ولي الزوجة ففي جواز توكيله الفاسق وجهان :
أحدهما : لا يجوز توكيله لما فيه في الولاية التي ينافيها الفسق .
والوجه الثاني : يجوز توكيله لأنه مأمور وليس بمطلق الولاية .
فأما الكافر فلا يجوز أن يتوكل فيما فيه ولاية على مسلم ولا في نكاح مسلم لا من جهة الزوج ولا من جهة الزوجة لأن نكاح المسلم لا ينعقد بكافر بحال .
ولكن يجوز أن يكون وكيلا في نكاح كافر .
وهل يجوز أن على وجهين : يكون وكيلا في طلاق مسلم ؟
أحدهما : يجوز لأنه يملك الطلاق .
والثاني : لا يجوز لأنه لا يملك طلاق مسلمة .
[ ص: 507 ] والقسم الثاني : لا يجوز تصرفه في عموم الأحوال وهو فمن وكلهما كانت الوكالة باطلة ، فلو أن الصبي والمجنون فلا يصح أن يتوكلا لأحد كان على ما ذكرنا في جنون الموكل إن استدام به إلى حال يصير مولى عليه بطل توكيله ، وإن أفاق منه قريبا بطلت وكالته على مذهب رجلا وكل عاقلا ثم جن الوكيل الشافعي وجازت على قول أبي العباس بن سريج .
والقسم الثالث : من يجوز تصرفهم في شيء دون شيء وهم ضربان :
أحدهما : من منع التصرف لحق نفسه من الطلاق والخلع ولا يجوز أن يتوكل فيما لا يجوز التصرف فيه من بيع أو نكاح أو غيره لأنه لما بطلت عقوده بالسفه في حق نفسه كان أولى أن تبطل في حق غيره . كالسفيه يجوز أن يتوكل فيما يجوز تصرفه فيه
والضرب الثاني : من منع من إطلاق التصرف لحق غيره لحق سيده لا لعدم رشده فللسيد منعه أن يتوكل لغيره فيما يجوز تصرفه فيه وما لا يجوز لما في تشاغله بالوكالة في تفويت منافع السيد ، فإن أذن له السيد جاز أن يتوكل لسيده وغير سيده ، ثم لا يخلو ما يوكل فيه من أن يكون فيه معنى من معاني الولايات كعقود البياعات والإجازة والدعوى والمخاصمات فيجوز أن يتوكل فيها ، وإن كان فيها من معاني الولايات فإن كانت على غير الموكل كالولاية على طفل أو في مال يتيم لم يجز أن يكون وكيلا فيه ، وإن كانت على الموكل كالنكاح فإن توكل من جهة الزوج صح ، وإن توكل من جهة الزوجة كان على ما ذكرنا من الوجهين ، فلو كالعبد الممنوع من التصرف بطلت الوكالة لما قد ملكه المشتري من منافعه ، وسواء كان قد توكل العبد فيما يصح أن يكون وكيلا فيه ثم باعه السيد على وجهين : توكل لسيده أو لغيره فإن جدد له المشتري إذنا بالوكالة المتقدمة فهل يحتاج إلى تجديد إذن من الموكل أم لا ؟
أحدهما وهو قول أبي العباس بن سريج أنه لا يحتاج إلى تجديد إذنه ويصير على وكالته بما تقدم من إذن موكله إذا جدد له المشتري إذنا بالوكالة لأن منعه من الوكالة إنما كان لحق المشتري فارتفع بحدوث إذنه وحده .
والوجه الثاني وهو أصح أن الوكالة قد بطلت فلا تصح إلا بتجديد إذن من جهة الموكل لأن إبطالها قد رفع أسبابها كما أن العقد إذا بطل لم يصح بالإجازة حتى يبتدئ عقدا صحيحا .
فأما إن أعتقه السيد فلا يخلو أن يكون وكيلا لسيده أو غير سيده فإن كان وكيلا لغير سيده لم تبطل الوكالة بعتقه وإن كان وكيلا لسيده ففي بطلان الوكالة بعتقه وجهان أحدهما لا تثبت وكالة غيره .
[ ص: 508 ] والثاني وهو قول أبي العباس بن سريج تبطل وكالته لأنها من جهة السيد أمر فبطلت كسائر أوامره التي تبطل بعتقه .
فأما ، فأما غير زوجها فلا يجوز أن تتوكل إلا بإذن زوجها لما قد ملكه الزوج من الاستمتاع بها وأن له منعها من الخروج لتصرفها . المرأة فيجوز أن تتوكل لزوجها
وإن جاز فيما سوى النكاح والطلاق . وكلها الزوج أو غيره
فإن كان باطلا لأن المرأة لا تملك عقد النكاح . وكلت في النكاح
وإن كان في صحة الوكالة وجهان : وكلت في الطلاق
أحدهما : باطلة لأنها لا تملك الطلاق .
والثاني : جائزة لأنها لو ملكت طلاق نفسها صح فجاز أن تتوكل في طلاق غيرها ، فلو كانت الوكالة على حالها سواء توكلت للزوج أو لغيره لأنها وكالة وليست أمرا يلزم امتثاله كالسيد مع عبده . وكلت ثم طلقها الزوج