مسألة : قال المزني رضي الله عنه : " حضر خصم أو لم يحضر جائز ( قال الشافعي ) ليس الخصم من الوكالة بسبيل وقد يقضى للخصم على الموكل فيكون حقا يثبت له بالتوكيل " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، يجوز ثبوت الوكالة عند الحاكم وإن كان الخصم غائبا .
وقال أبو حنيفة : لا يصح إلا في ثلاثة أحوال : ثبوت الوكالة على خصم غائب
إما أن يكون مريضا أو يريد سفرا أو يقر بها الموكل عند الحاكم ، فأما بالبينة فلا يسمعها إلا بحضور خصم وإن كانوا جماعة صح ثبوتها بحضور أحدهم ، وجعل امتناعه في ثبوت الوكالة على غير خصم بناء على أصله في القضاء على الغائب لا يجوز وفي إثبات الوكالة عليه قضاء على غائب .
ودليلنا عليه مع مخالفتنا للأصل الذي عليه أن عليا رضي الله عنه وكل عقيلا وعبد الله بن جعفر ولم يكن عند توكيله إياهما خصم وهذه حال مشهورة في الصحابة وكل أقر عليها ولم يخالف فيها .
ولأنه موكل في حق نفسه فلم يعتبر فيه حضور الخصم كالوكالة في استخراج الديون ولأن ما يشترط في عقد الوكالة عند مرض الموكل وسفره لم يشترط فيه عند حضوره ومغيبه كالشهادة طردا والقول عكسا ولأنه توكيل فوجب أن يتم بالموكل والوكيل كالتوكيل في العقود ولأن ما تنعقد به الوكالة في العقود تنعقد به الوكالة في مطالبة الخصوم كوكالة المريض والمسافر .
ولأنه توكيل لم يشترط فيه رضا الخصم فلم يشترط فيه حضوره .
وأصله إذا أقر بالوكالة أو وكل عنه حاكم ولأنه مستعان به في الخصومة فلم يشترط فيه حضور الخصم كإشهاد الشهود .
[ ص: 509 ] فأما الجواب عن استدلالهم بأنه قضاء على غائب فهو أنها دعوى مدفوعة ؛ لأن الوكالة حق للموكل وعليه وليس للخصم فيها حق ، ولا عليه فيها حق ، ألا ترى أنه لا يثبت له بحضور الوكالة حق ، ولا يثبت عليه حق ، ولذلك قال الشافعي رحمه الله وليس الخصم من الوكالة بسبيل .
فأما قول الشافعي : وقد يقضى للخصم على الموكل فيكون حقا ثبت له بالتوكيل فمعناه أن الخصم لو ادعى البراءة من الحق الذي عليه عند مطالبة الوكيل له بالتوكيل سمعت بينة الخصم بالبراءة إلى الموكل من حقه ولولا الوكالة التي استحق الوكيل بها المطالبة لما أمكن الخصم إقامة البينة بالبراءة .