مسألة : قال المزني رضي الله عنه : " فإن ثبت وأقر على من وكله لم يلزمه إقراره لأنه لا يوكله بالإقرار ولا بالصلح ولا بالإبراء وكذلك قال الشافعي رحمه الله " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا لم يلزمه إقراره وسواء أقر عليه في مجلس الحكم أو غيره . وكله في المخاصمة فأقر على موكله
وقال أبو حنيفة : إن لزمه إقراره وإن أقر عليه في غيره لم يلزمه ، وقال أقر الوكيل على موكله في مجلس الحكم أبو يوسف : إقراره عليه لازم في مجلس الحكم وغيره واستدل على [ ص: 514 ] لزوم إقراره لموكله بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين وكل أخاه عقيلا : وهذا عقيل ما قضي عليه فعلي وما له فلي ، فجعل القضاء على الوكيل قضاء على الموكل ، وإقرار الوكيل يوجب القضاء عليه فكذلك على موكله .
ولأن في التوكل بالمخاصمة إذنا بها وبما تضمنها ، وقد يتضمن الإقرار تارة والإنكار تارة فصار الإقرار من متضمن إذنه فلزمه .
ولأن الوكيل قائم مقام موكله في الجواب ، والجواب قد يكون تارة إقرارا وتارة إنكارا فلما قام إنكاره مقام إنكار موكله وجب أن يقوم إقراره مقام إقرار موكله ، وتحريره أنه أحد جوابي الدعوى فجاز أن يقوم فيه مقام موكله كالإنكار ولأنه ممن يملك القبض فوجب أن يملك الإقرار بالقبض كالموكل .
ودليلنا هو أن كل من ندب لاستيفاء الحق لم يكن له إسقاط الحق كالوصي .
ولأن كل ما لم يملكه الوكيل من إسقاط الحق في غير مجلس الحكم لم يلزمه في مجلس الحكم كالإبراء طردا والقبض عكسا ، ولأن ما لم يصح من الوكيل الإبراء منه لم يصح منه الإقرار به كالجناية ، ولأن كل من يصح إقراره مع النهي لم يصح إقراره مع الترك كالمحجور عليه .
فأما الجواب عن حديث علي عليه السلام فليس بقضاء على الوكيل بإقراره على موكله فلم يصر ذلك لموكله .
وأما ادعاؤهم أن المخاصمة تتضمن إقرارا وإنكارا فغير صحيح بل يتضمن من جهة الوكيل الإنكار لما عليه من المعونة وحفظ الحق ومن جهة الموكل الإقرار والإنكار .
وأما قولهم إنه لما قام في الإنكار مقام موكله وجب أن يكون في الإقرار بمثابته ، فالجواب عنه أن في الإنكار معونة لموكله وحفظا لحقه فصح من الوكيل ، وفي الإقرار معونة على موكله وإسقاط لحقه فلم يصح من الوكيل .
وأما قياسهم على الموكل فالمعنى فيه أنه لما ملك الإبراء ملك الإقرار ولما لم يملك الوكيل الإبراء لم يملك الإقرار .