فصل : وأما فقد اختلفوا فيه فذهب أكثر النفاس الشافعي إلى أن أكثره ستون يوما وبه قال مالك والشعبي وقال الحسن البصري أكثره خمسون يوما .
وقال أبو حنيفة : أكثره أربعون يوما ، وحكى الأوزاعي عن أهل دمشق أن أكثر النفاس من الغلام ثلاثون يوما ومن الجارية أربعون يوما ، وكل منهم رجع فيما ذكره من الحد إلى ما [ ص: 437 ] وجد فاستدل أبو حنيفة على حده بالأربعين برواية أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوما .
وروت مسة أم بسة قالت كان النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما وكنا نطلق على وجوهنا الورس يعني : من الكلف أم سلمة " ولأن الأربعين متفق عليها ، والزيادة مختلف فيها ، فلم يجز ترك يقين الصلاة : بمختلف فيه . عن
ودليلنا رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أم سلمة النفساء تجلس إلى أن ترى الطهر " فكان عمومه يقتضي أن يكون ما جاوز الأربعين يكون نفاسا ، ولأن حد الحيض والنفاس مأخوذ من وجود العادة المستمرة فيه ، وقد وجد الشافعي الستين في عادة مستمرة ، وتحرر هذا قياسا ، فيقال لأنه دم أرخاه الرحم جرت به عادة مستقرة ، فجاز أن يكون نفاسا كالأربعين ، ولأن أكثر الدم يزيد على عادته في الغالب ، كالحيض غالبه السبع ، وأكثره يزيد على السبع ، فلما كان غالب النفاس أربعين ، وجب أن يزيد أكثره على الأربعين ، ولأن النفاس هو ما كان محتسبا من الحيض في مدة الحمل ، فلما كان غالب الحمل تسعة أشهر ، وغالب الحيض ست أو سبع ، فإن اعتبرنا السبع كان النفاس ثلاثة وستين يوما ، وإن اعتبرنا الست كان النفاس أربعة وخمسين يوما ، وإن اعتبرناهما معا كان النفاس ستين يوما ، وهو أن يجعل حيضها في ستة أشهر سبعا ، وفي ثلاثة أشهر ستا فصح أن ما ذهبنا إليه أصح فأما الجواب عن حديث أنس بن مالك فهو أنه ضعيف ، لأن رواية سلام بن مسلم عن حميد عن أنس وسلام قد أسقط حديثه ذكره الساجي ، وقال كان ضعيفا ، ولو كان صحيحا لحمل على من تجاوز دمها ستين يوما ، فردها إلى أوسطه أربعين يوما كما رد حمنة بنت جحش حين استحيضت إلى أوسط الحيض ست أو سبع ، وأما حديث فلا دليل فيه ، لأنه إخبار عن قدر عادتهن ، وأما استدلاله بالوفاق فليس الوفاق على أن الأربعين نفاس ، دليلا على أن الأربعين أكثر النفاس كالعشرين فأما أوسط النفاس فأربعون يوما : لأن غالب عادة النساء جارية به كالسبع في الحيض ، ووجوده في العادة يغني عن دليل أصله . أم سلمة