فصل : وأما الفصل الثاني : وهو فهو عند ابتداء الطهارة فإن كانت غسلا فعند أول إفاضة الماء على جسده ، فإن زمان النية أجزأته النية ، لكن عليه أن يعيد غسل ما غسله قبل نيته ، وإنما كان كذلك لأنه في الغسل لا يستحق عليه الابتداء بمحل من جسده فكل موضع منه في جواز الابتداء بغسله جائز ، فجاز أن ينوي عند غسله ولا يعتد بما غسله من قبل ، وإن كان وضوءا فالواجب عليه أن ينوي عند غسل وجه ، لأن المستحق عليه الابتداء بوجهه . نوى بعد أن غسل بعض جسده
ومن حكم العبادة أن تكون النية منوطة بأولها ما خلا الصوم المخصوص بالشرع ، وإذا كان كذلك فله في : النية أربعة أحوال
أحدها : حال استحباب .
والثانية : حال جواز .
والثالثة : حال فساد .
والرابعة : حال اختلاف .
فأما الحالة الأولى في الاستحباب : فهو أن ويستديمها ذكرا إلى غسل وجهه ، ثم عليه بعد الوجه أن يستديمها حكما وليس عليه أن يستديمها ذكرا ، ومعنى يبتدئ بالنية عند غسل كفيه : أن يكون مستصحبا لذكرها واعتقادها ، فإن أخل بها ناسيا أو عامدا لم يجزه ، وهذا لازم له في الوضوء إلى غسل الوجه ، واستدامتها حكما أن يكون مستصحبا [ ص: 93 ] لحكم نيته ، فلا يحدث نية تخالف ما تقدم من نيته ، وإن أخل بذكره عامدا أو ناسيا أجزأه ، وهذا لازم له بعد الوجه إلى فراغه من طهارته ، فإن استدامها ذكرا كان أكمل . استدامتها ذكرا
وأما الحال الثانية في الجواز : فهو أن فيجزئه وإن أخل بالنية فيما قبل ، لأن ما تقدم الوجه في الوضوء من غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق مسنون وليس بواجب ، وتركه لا يقدح في وضوئه ، فكذلك ترك النية عنده . يبتدئ بالنية عند غسل الوجه
لكن اختلف أصحابنا فيما فعله ثم أحدث النية بعده . هل يكون فاعلا للمسنون منه ، معتدا به من وضوئه أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : لا يكون فاعلا لمسنونه ولا معتدا به من وضوئه لخلوه عن نية قارنته أو تقدمته .
والوجه الثاني : أن يكون فاعلا للسنة معتدا به من الوضوء ، لأنه من جملة طهارة قد أتى بالنية لها في محلها ، فلو انعقدت نيته ولزمه إعادة غسل ما كان غسله كالجنب إذا نوى عند غسل بعض جسده . نوى بعد أن غسل بعض وجهه
وأما الحال الثالثة في الفساد : فهو أن فلا يجزئه لفساد نيته بتأخيرها عن ابتداء وضوئه ، وعليه أن يعيد غسل وجهه مبتدئا بالنية به حتى تكون النية مقارنة لغسل الوجه . ينوي بعد غسل الوجه
وأما الحال الرابعة في اختلاف النية : فهو أن ، فإن نوى قبل أخذه في الوضوء في غسل الكفين والمضمضة والاستنشاق لم يجزه . ينوي قبل غسل وجهه ويحل بالنية عند غسل وجهه
فقد اختلف أصحابنا في جواز ذلك على ثلاثة أوجه : وإن نوى عند غسل كفيه أو عند المضمضة والاستنشاق
أحدها : وهو قول أبي حفص بن الوكيل أنه يجزئه لأن غسل الكفين شروع في الوضوء فصارت النية موجودة عند ابتدائه .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه لا يجزئه عند غسل كفيه ، لأنه غسل لا يعتد به ، ويجزئه عند المضمضة والاستنشاق ، لأنهما في الوجه فصارت النية موجودة عند أخذه في تطهير الوجه .
[ ص: 94 ] والوجه الثالث : وهو قول أبي العباس بن سريج أنه لا يجزئه سواء نوى عند غسل كفيه أو عند المضمضة والاستنشاق حتى ينوي عند غسل الوجه ، لأن إلا أن يكون حين تمضمض أو استنشق أصاب الماء شيئا من وجهه فيجزئه لأنه يصير ناويا عند غسل وجهه . الوضوء قد يصح بغير مضمضة واستنشاق