قال الماوردي : وهذا كما قال .
إذا كان نصيب كل واحد من رب المال ، والعامل معلوما صح به القراض وإن بعد وطال ، فإذا قال رب المال للعامل : لك ثلث الربح ، وما بقي فلي ثلثه وثلثاه لك صح القراض وكان للعامل سبعة أتساع الربح ، ولرب المال تسعان ؛ لأن مخرج الثلاثة تسعة ، وهو مضروب ثلاثة في ثلاثة ، فيكون للعامل بالثلث من التسعة ثلاثة ، ثم بثلثي ما بقي من التسعة أربعة فيصير الجميع سبعة أتساع ، ويبقى لرب المال تسعان .
غير أننا نستحب لهما أن يعدلا عن هذه العبارة الغامضة إلى ما يعرف على البديهة من أول وهلة ؛ لأن هذه عبارة قد توضع للإخفاء ، والإغماض كما قال الشاعر :
[ ص: 346 ]
لك الثلثان من قلبي وثلثا ثلثه الباقي ثلثا ثلث ما يبقى
وثلث الثلث للساقي ويبقى أسهم ست
تفرق بين عشاقي
فانظر إلى هذا الشاعر وبلاغته وتحسين عبارته ، كيف أغمض كلامه ، وقسم قلبه ، وجعله مجزءا على أحد وثمانين جزءا هي مضروب ثلاثة في ثلاثة في ثلاثة في ثلاثة ليصح منها مخرج ثلث ثلث ثلث الثلث الباقي ، فجعل لمن خاطبه أربعة وسبعين جزءا من قلبه ، وجعل للساقي جزءا ، وبقي ستة أجزاء يفرقها فيمن يحب .
وليس للإغماض في معاوضات العقود وجه يرتضى ، ولا حال تستحب غير أن العقد لا يخرج به عن حكم الصحة إلى الفساد ، ولا عن حال الجواز إلى المنع ؛ لأنه قد يئول بهما إلى العلم ، ولا بجهل عند الحكم .
وهكذا لو قلب رب المال شرطه ، فجعل لنفسه ثلث الربح ، وثلثي ما يبقى وجعل الباقي للعامل صح ، وكان له سبعة أتساعه ، وللعامل تسعان .
فلو قال لي ربع الربح وثلاثة أرباع ما بقي ولك الباقي صح ، وكان الربح مقسوما على ستة عشر سهما هي مضروبة أربعة في أربعة ، فيكون لرب المال منها اثنا عشر سهما ، وللعامل أربعة أسهم .
ولو قال لي ثلث الربح وثلاثة أرباع ما بقي ولك الباقي صح ، وكان الربح مقسوما على اثني عشر سهما هي مضروب ثلاثة في أربعة ، ثم يرجع بأنصافها إلى ستة يكون لرب المال منها خمسة أسهم ، وللعامل سهم واحد .