فصل : وأما الفصل الرابع  فيمن تصح منه النية      :  
فتصح في أكمل أحوالها ممن قد جمع ثلاثة شروط : البلوغ والعقل والإسلام ، فإذا كان في حال نيته لوضوئه أو غسله أو تيممه عاقلا بالغا مسلما انعقدت نيته وصحت طهارته .  
فأما الصبي غير البالغ إذا توضأ فإن كان طفلا لا يميز فوضوؤه باطل وطهارته عبث ؛ لأن النية من مثله لا تصح ، وإن كان مراهقا مميزا صح وضوءه إذا نوى وارتفع حدثه حتى لو بلغ بعد وضوئه أجزأه ذلك الوضوء لا يختلف مذهب  الشافعي   فيه لصحة قصده . ألا تراه يقول : " لو  أحرم صبي بصلاة ثم بلغ في تضاعيفها وأتمها   أجزأه " فلولا صحة نيته في طهارته وصلاته وانعقادها بقصده لم تجزه .  
وهكذا لو  فعل صبي ما يوجب الغسل من التقاء الختانين واغتسل ناويا ثم بلغ   صح غسله وارتفعت جنابته .  
ولكن لو  تيمم قبل بلوغه لنفل أو لفرض ثم بلغ   لم يجزه أن يصلي بذلك التيمم فرضا بحال ؛ لأنه قبل بلوغه غير ملتزم لفرض فصار حين تيمم غير محتاج إلى التيمم فلم يجز أن يؤدي به الفرض كمن تيمم قبل دخول الوقت ولكن يجوز أن يصلي به النفل ، وأما  المجنون إذا توضأ في حال جنونه عن حدث أو اغتسل من جنابة   لم يجزه وضوؤه ولا غسله ولزمه إعادة      [ ص: 98 ] ذلك بعد إفاقته بخلاف الصبي ؛ لأن للصبي تمييزا وقصدا وليس للمجنون قصد ولا تمييز ، وأما الكافر فيلزمه بعد إسلامه أن يتوضأ عن حدثه في كفره ، فلو كان قد  توضأ من الحدث قبل إسلامه ناويا   ففي إجزائه وجهان :  
أحدهما : يجزيه ؛ لأنه أصح قصدا من الصبي وهذا قول  أبي حنيفة      .  
والوجه الثاني : وهو الصحيح من المذهب أنه لا يجزئه ؛ لأنه لا تصح منه مع الكفر انعقاد عبادة ، كما لا تصح منه انعقاد الصلاة ، وخالف الصبي الذي تصح منه انعقاد الصلاة ، وأما إذا  أجنب الكافر قبل إسلامه   فقد قال  أبو سعيد الإصطخري      : إن حكم جنابته ساقط بإسلامه ، فإن اغتساله منها غير واجب لقوله صلى الله عليه وسلم :  الإسلام يجب ما قبله  ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر جميع من أسلم من الكفار بالغسل مع كونهم غالبا على جنابة ، وقال  أبو العباس بن سريج   وأبو إسحاق   وسائر أصحابنا : إن حكم جنابته باق ، وإن الغسل عليه بعد إسلامه واجب لأمرين :  
أحدهما : أنه لما لم يسقط بالإسلام حكم حدثه في حال الكفر ولزمه الوضوء لم يسقط حكم جنابته ولزمه الغسل .  
والثاني : أنه لما لزم الصبي والمجنون غسل الجنابة بعد الإفاقة والبلوغ وهما في حال الحداثة من غير أهل التكليف ، فالكافر إذا أسلم أولى أن يلزمه غسل الجنابة ؛ لأنه من أهل التكليف ، فأما المرتد إذا أسلم جنبا فمأخوذ بجنابته ، والغسل منها واجب عليه بوفاق  أبي سعيد   ، فلو كان قد اغتسل في حال ردته كان على وجهين كالكافر .  
				
						
						
