مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وليس لأحد أن يعطي ولا يأخذ من الذي حماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن أعطيه فعمره نقضت عمارته " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، فإن أحياه إنسان لم يخل حال السبب الذي حماه من أجله من مواشي الفقراء ونعم بعلاقات من أن يكون باقيا ، أو زائلا ، فإن كان السبب باقيا ، والحاجة إليه ماسة فإحياؤه مردود وعمارته منقوضة وهو على ما حياه بمنع الناس كلهم من إحيائه : لأن حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن يتعقب بنقض ، ولا أن يعترض عليه بإبطال ، وإن كان السبب زائلا وحاجة الفقراء إليه قد ارتفعت ونعم الصدقات قد تحولت ، ففي جواز إحيائه وإقرار عمارته وجهان : أما حمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز أن يمكن أحد من إحيائه
أحدهما : هو قول أبي حامد الإسفراييني : يجوز : لأن السبب يقتضي زوال المسبب : لأن ما وجب لعلة زال بزوالها .
والوجه الثاني : وهو قول جمهور أصحابنا : لا يجوز إحياؤه وإن زال سببه : لأنه قد يجوز أن يعود السبب بعد زواله كما أن ما خرب من المساجد بخراب بقاعها ، لا يجوز بيعه لجواز أن تعود عمارة البقعة فيحتاج إلى مساجدها ، ولأن في إحيائه نقضا لحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما حمى الأئمة ، فإن قيل : إنه لا يجوز فإحياؤه جائز ، وإن قيل : فيه قولان : إن حمى الإمام جائز كحمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهل يجوز إحياؤه وتمليك محييه
أحدهما : لا يملكه بالإحياء كما لا يملك حمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لأن كليهما حمى محرم .
والقول الثاني : يملك بالإحياء وإن منع منه : لأن حمى الإمام اجتهاد وملك الموات بالإحياء نص ، والنص أثبت حكما من الاجتهاد ، والله أعلم .