فصل : والحال الثالثة : أن يستبقيها في يده أمانة لصاحبها فذلك له : لأنه لما جاز أن يتملكها على صاحبها فأولى أن يحفظها لصاحبها ، ولا يلزمه تعريفها : لأن ما جاز تملكه سقط تعريفه ولا يلزمه إخبار الحاكم بها ولا الإشهاد عليها ، بل إذا وجد صاحبها سلمها إليه ، ولا ضمان عليه مدة إمساكها لصاحبها لو تلفت أو نقصت : لأن يده يد أمانة كالمعرف . وقال بعض أصحابنا وجها آخر : إنه يضمنها لأن إباحة أخذها مقصور على الأكل الموجب للضمان دون الائتمان ، وهكذا القول فيما حدث من درها ولبنها على المذهب لا يضمنه ، وعلى هذا الوجه يضمنه ، فإن أنفق عليها أكثر من مؤنة علوفتها ، فإن كان ذلك منه مع وجود حمى للمسلمين ترعى فيه فهو متطوع بالنفقة وليس له الرجوع بها ، وإن كان مع عدم الحمى ، فإن كان عن إذن الحاكم رجع بما أنفق ، وإن كان عن غير إذنه ، فإن كان قادرا على استئذانه لم يرجع بها ، وإن لم يقدر على استئذانه ، فإن لم يشهد لم يرجع ، وإن أشهد ففي رجوعه بها وجهان :
أحدهما : يرجع للضرورة ، والثاني لا يرجع لئلا يكون حاكم نفسه ، فلو أراد بعد إمساكها أمانة أن يتملكها ففي جوازه وجهان : أحدهما له ذلك كالابتداء ، والثاني ليس له ذلك لاستقرار حكمها ، فأما إن أراد أن يتملك درها ونسلها من غير أن يتملك أصلها ، لم يكن له ذلك وجها واحدا لأنه فرع يتبع أصله ، فلو أرسلها بعد إمساكها أمانة ، لزمه الضمان إلا أن يدفعها إلى حاكم فلا يضمن ، ولو ، لم يسقط عنه ضمانها ، وفي ارتفاع ملكه عنها وجهان : أحدهما لا يرتفع ملكه : لأن الملك لا يزول إلا بقبول المتملك ، فعلى هذا يكون مالكا لما حدث من درها ولبنها لبقائها على ملكه ، والوجه الثاني : يرتفع ملكه عنها مع بقاء ضمانها ، وذلك أحوط لمالكها ، فوجه ذلك أنه لما جاز أن [ ص: 8 ] يتملكها من غير بذل مالكها ، جاز أن يزول ملكه عنها من غير قبول متملكها ، فعلى هذا يكون الحادث من درها ونسلها ملكا لربها تبعا لأصلها ، وعليه ضمانه كالأصل . نوى تملكها ثم أراد أن يرفع ملكه عنها لتكون أمانة لصاحبها