مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإن لم يوجد له مال وجب على الحاكم أن ينفق عليه من مال الله تعالى ، فإن لم يفعل حرم تضييعه على من عرفه حتى يقام بكفالته فيخرج من بقي من المأثم " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا ، وجب على الإمام الأعظم أو من ينوب عنه من وال وحاكم أن يقوم بنفقته : لأنها نفس يجب حراستها ويحرم إضاعتها ، ومن أين ينفق الإمام عليه ؟ فيه قولان : التقط المنبوذ فقيرا لا مال له ولم يتطوع أحد بالنفقة عليه
أحدهما وهو الأصح : من بيت المال : لأنه رصد للمصالح ، وهذا منها ، وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - أنه قال : " لئن أصاب الناس سنة لأنفقن عليهم من مال الله حتى لا أجد درهما ، فإذا لم أجد درهما ألزمت كل رجل رجلا " ، وقد استشار عمر - رضي الله عنه - الصحابة - رضي الله عنهم - في النفقة على اللقيط ، فقالوا : من بيت المال . فعلى هذا القول لا رجوع بما أنفق عليه من بيت المال على اختلاف ما يظهر من أحواله لوجوبها فيه .
والقول الثاني : أنها لا تجب في بيت المال : لأنه قد يجوز أن يكون عبدا فتجب على سيده ، أو حرا له أب غني فتجب على أبيه ، وبيت المال لا يلزم فيه إلا ما لا وجه له سواه ، فعلى هذا يجب على الإمام أن يقترض له ما ينفق عليه ، إما من بيت المال أو من أحد من المسلمين ، فإن لم يكن في بيت المال مال ولم ينفرد أحد من المسلمين به وجب عليه أن يخص نفسه [ ص: 39 ] ومن حضره من ذوي المكنة وجعلها مقسطة عليهم على عددهم جبرا ولا يخص بالإجبار عليها واحدا . قال الشافعي : فإن لم يفعل حرم تضييعه على من عرفه حتى يقام بكفالته : لأن ذلك من فروض الكفايات ، ثم ينظر ، فإن بان عبدا رجع بها على سيده ، وإن بان له أب غني أخذها من أبيه ، فإن بلغ ولا أب له ولا سيد ، فإن علمه مكتسبا رجع عليه في كسبه ، وإن كان غير مكتسب فهو من جملة أهل الصدقات فيقضي ذلك عنه من أي المالين يراه فيها من سهم الفقراء أو المساكين ، أو من سهم الغارمين ، والله أعلم .