فصل : فإذا تقرر هذا فلا يخلو حال المسافر من أحد أمرين ، إما أن يكون سائرا أو غير سائر ، فإن لم يكن سائرا فلا يجوز : لأنه لا يرتفق بالعدول عنها ، وكان فرض التوجه فيها باقيا عليه ، وإن كان سائرا ، فلا يخلو من أن يكون [ ص: 74 ] راكبا ، أو ماشيا ، فأما الماشي فيجوز أن يتنفل إلى جهة سيره ، لأن المشي أشق من الركوب ، لكن عليه أن يستقبل القبلة في أربعة مواضع من صلاة أحدها عند الإحرام ، لقرب الأمر فيه حتى ينعقد ابتداء إلى القبلة إذا أراد التطوع بالصلاة أن يعدل عن القبلة
والثاني : في حال الركوع ، لأن الركوع هو فيه منقطع السير فاستوى عليه التوجه إلى القبلة والعدول عنها
والثالث : عند السجود لأنه لا يجوز إذا كان على الأرض أن يومئ به فاستوى الأمران عليه في التوجه وغيره ، فلزمه أن يتوجه وإذا كان كذلك فعليه أن يبقى على التوجه في سجدته والجلسة التي بينهما ، لأنها إن كان لا يمكن فصلها بالقيام والسير ، وأما الرابع فهو وقت السلام ، وقد اختلف أصحابنا على وجهين : هل يلزمه استقبال القبلة فيه أم لا ؟
أحدهما : وهو قول البصريين يلزمه التوجه عنده ، لأنه أحد طرفي الصلاة كالإحرام
والثاني : وهو قول البغداديين لا يلزمه ، لأن السلام خروج من الصلاة فكان أخف من أثناء الصلاة ، وهو في أثنائها لا يلزمه التوجه ، ففي حال الخروج منها أولى أن لا يلزمه التوجه ، وليس كذلك حال الإحرام : لأنه ابتداء الدخول في الصلاة ، وبه تنعقد فكان حكمه أغلظ وهذا أصح الوجهين عندي فأما ما سوى هذه الأحوال من حال القراءة ، والتشهد ، والقيام الذي بين الركوع والسجود ، فيسقط فرض التوجه فيه كله ، فإن قيل : فهلا كان القيام بين الركوع والسجود يلزمه التوجه فيه كالجلسة التي بين السجدتين ؟ قلنا : مشي القائم يسهل فسقط عنه التوجه ليمشي فيه شيئا من سفره قدر ما يأتي بالركن المسنون فيه ، ومشي الجالس لا يمكن إلا بالقيام ، وقيامه غير جائز ، فكان على حال التوجه فيه