فصل : وأما فلأن في الزيادة سرفا وفي التقصير ضررا ، فلزم أن ينفق عليه قصدا بالمعروف من غير سرف ولا تقصير ، وكذلك ينفق على كل من تجب نفقته في ماله من والدين ومملوكين ، ثم يكسوه وإياهم في فصل الصيف والشتاء كسوة مثلهم في اليسار والإعسار ، ومن أصحابنا من قال : يعتبر بكسوة أبيه فيكسوه مثلها . النفقة عليه بالمعروف
وهذا غير صحيح ؛ لأن أباه قد ربما كان مسرفا أو مقصرا ، فكان اعتبار ذلك في الكسوة في يساره وإعساره عادة وعرفا أولى من اعتباره عادة أبيه .
وإنما تعتبر عادة أبيه في صفة الملبوس إن كان تاجرا كسا كسوة التجار ، وإن كان جنديا كسا كسوة الأجناد ، ولا يعدل به عن عادة أبيه حتى يبلغ ويلي أمر نفسه فيغيرها إن شاء .
فإن أسرف الولي في الإنفاق عليه ، ضمن زيادة السرف وإن قصر به عن العقد أساء ولم يضمن .
[ ص: 346 ] فإن اختلف هو والولي بعد بلوغه في قدر النفقة فذلك ضربان :
أحدهما : أن يختلفا في قدر النفقة مع اتفاقهما على المدة كأنه قال : أنفقت عليك عشر سنين في كل سنة مائة دينار ، فقالت : أنفقت علي عشر سنين في كل سنة خمسين دينارا . فالقول فيه قول الولي ، إذا لم يكن ما ادعاه سرفا ، فإن كان الولي وصيا أو أمين حاكم فله إحلافه على ما ادعاه ، وإن كان أبا أو جدا ففي إحلافه له وجهان :
أحدهما : يحلف كالأجنبي ؛ لأنهما يستويان في حقوق الأموال .
والوجه الثاني : لا يحلف ؛ لأنه يفارق الأجنبي في نفي التهمة عنه وكثرة الإشفاق عليه .
والضرب الثاني : أن يتفقا على قدر النفقة ويختلفا في قدر المدة ، كأنه قال : أنفقت عليك عشر سنين ، في كل سنة مائة دينار ، فقال : بل أنفقت علي خمس سنين ، في كل سنة مائة دينار .
فعند أبي سعيد الإصطخري : أن القول قول الولي ، كاختلافهم في القدر مع اتفاقهما في المدة .
وقال جمهور أصحابنا : بل القول قول اليتيم مع يمينه .
والفرق بين اختلافهما في القدر وبين اختلافهما في المدة أنهما في القدر مختلفان في المال ، فقبل منه قول الولي ؛ لأنه مؤتمن عليه ، وفي المدة مختلفان في الموت الذي يعقبه نظر الولي ، فلم يقبل قول الولي ؛ لأنه غير مؤتمن عليه ، مع أننا على يقين من حدوث الموت في شك من تقدمه ؛ فلذلك افترق الحكم فيهما .