مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " والنفل من وجه آخر نفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غنيمة قبل نجد بعيرا بعيرا . وقال سعيد بن المسيب : كانوا يعطون النفل من الخمس . ( قال الشافعي ) - رحمه الله - : نفلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من خمسه كما كان يصنع بسائر ماله فيما فيه صلاح المسلمين وما سوى سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من جميع الخمس لمن سماه الله تعالى ، فينبغي للإمام أن يجتهد إذا كثر العدو واشتدت شوكته وقل من بإزائه من المسلمين ، فينفل منه اتباعا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلا لم يفعل ، وقد روي في : الثلث في واحدة والربع في الأخرى ، وروى النفل في البداءة والرجعة ابن عمر أنه نفل نصف السدس ، وهذا يدل على أنه ولكن على الاجتهاد " . ليس للنفل حد لا يجاوزه الإمام
قال الماوردي : وهذا صحيح .
[ ص: 401 ] قد ذكرنا في أول الباب أن النفل في كلامهم هو زيادة من الخير ، وهو هاهنا وقد تكون من أربعة أوجه : الزيادة من الغنيمة يختص بها بعض الغانمين دون بعض
أحدها : السلب ، يستحقه القاتل من أصل الغنيمة من غير شرط على ما قدمناه .
والثاني : ما دعى إلى التحريض على القتال والاجتهاد في الظفر ، مثل أن يقول الإمام أو أمير الجيش : من يقدم في السرايا إلى دار الحرب فله كذا وكذا ، ومن فتح هذه القلعة فله كذا وكذا ، أو من قتل فلانا فله كذا أو من أقام كمينا فله كذا ، فهذا جائز ، سواء جعل ما بذله مقدرا في الغنيمة كقوله فله ألف دينار ، أو جعله شائعا في الغنيمة كقوله فله ربع الغنيمة ، أو ثلثها ، أو جعله مقدرا بالسهم فيها كقوله فله نصف مثل سهم ، كل ذلك سواء ، والدليل على جوازه إذا دعت الحاجة إليه ما رواه الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر نجد فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهامهم اثني عشر بعيرا ، أو أحد عشر بعيرا ، ثم نفلوا بعيرا . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية قبل
وروى زيد بن حارثة عن حبيب بن مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفل الثلث بعد الخمس في بدائه .
وروى مكحول عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفل في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث
وفيه لأصحابنا ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن البداءة أن يبتدئ بإنفاذ سرية إلى دار الحرب فجعل لها الربع والرجعة أن ينفذ بعدها سرية ثانية فيجعل لها الثلث فيزيد الثانية : لأنها تدخل بعد علم أهل الحرب بالأولى .
والتأويل الثاني : أن البداءة أن ينفذ سرية في ابتداء دخوله دار الحرب فيجعل لها الربع ، والرجعة أن ينفذها بعد رجوعه عن دار الحرب فيجعل لها الثلث : لأنها برجوع الجيش أكثر تغريرا من الأولى .
والتأويل الثالث : أن البداءة أن يبتدئ بالقول فيقول : من يفتح هذا الحصن وله الربع إما من غنائمه وإما مثل ربع سهمه ، فلا يجيبه أحد فيرجع فيقول ثانية : من يفتحه وله الثلث فيجاب إليه ؛ فيكون القول الأول بداءة والثاني رجعة ، وإذا كان كذلك فليس يتحدد الأقل في البداءة بالربع : لأن ابن عمر روى أنه نفل نصف السدس بعيرا من اثني عشر ولا يتحدد الأكثر في الرجعة بالثلث : لأنه معتبر بالحاجة الداعية ، وكان تقديره في الأقل والأكثر موكلا [ ص: 402 ] إلى اجتهاد الإمام ، ولو أداه اجتهاده إلى أن يبذل في البداءة بدخوله الحرب أكثر مما كان يبذله في الرجعة منهما : لأن أهل الحرب في البداءة متوفرون وفي الرجعة مهزومون جاز . ثم يكون هذا النفل الذي جعل لهم في البداءة والرجعة من سهم المصالح وهو خمس الخمس سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المصروف بعده في وجوه المصالح لرواية أبي الزناد عن سعيد بن المسيب قال : كان الناس يعطون النفل من الخمس ، يعني : خمس الخمس ؛ ولأنه مبذول في المصالح فأشبه سائر المصالح ، ولأنه لما تقدر بشرط الإمام واجتهاده بخلاف السلب كان مأخوذا من سهم المصالح ؛ لأن أصل الغنيمة بخلاف السلب . وحكى ابن أبي هريرة قولا ثانيا : أنه كالرضخ المستحق من الغنيمة على ما سنذكره : لأن الربع في البداءة والثلث في الرجعة أكثر من خمس الخمس : لأن الثلث سهم من ثلاثة ، وخمس الخمس سهم من خمسة وعشرين سهما وهذا ليس بصحيح . وفيما ذكرناه تأويلان ، وهما له جوابان :
أحدهما : أنه جعل الربع في البداءة والثلث في الرجعة مما اختصت تلك السرية بغنيمة ، وقد يجوز أن يكون ذلك خمس خمس جميع الغنائم ، ثم التي أجازها جميع الخمس وأقل منه .
والثاني : أنه يجوز أن تكون الزيادة على خمس الخمس تممها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير ذلك من أمواله التي خص بها ، وهي أربعة أخماس الفيء وخمس خمسه وما يصطفيه لنفسه .