مسألة : قال الشافعي : " حدثني سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : ما أحد إلا وله في هذا المال حق إلا ما ملكت أيمانكم أعطيه أو منعه . ( وقال الشافعي ) : وهذا الحديث يحتمل معاني منها أن نقول ليس أحد بمعنى حاجة من الصدقة ، أو بمعنى أنه من أهل الفيء الذين يغزون إلا وله في مال الفيء أو الصدقة حق ، وكان هذا أولى معانيه به ، فإن قيل ما دل على هذا ؟ قيل والذي أحفظ عن أهل العلم أن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة : لا حظ فيها لغني ولا لذي مرة مكتسب ( قال ) وقد روينا عن الأعراب لا يعطون من الفيء ابن عباس - رضي الله عنهما - أن أهل الفيء كانوا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعزل عن أهل الصدقة ، وأهل الصدقة بمعزل عن أهل الفيء " .
قال الماوردي : إن قيل فكيف تأويل هذا الحديث عندكم ومن مذهبكم أن وأهل الصدقات لا يأخذون من أهل الفيء ؟ قيل فيه ثلاثة تأويلات : أهل الفيء لا يأخذون من أهل الصدقات ،
أحدها : أنه عائد على مال بيت المال الجامع لمال الفيء ومال الصدقات ، والناس صنفان : أغنياء وحقهم في مال الفيء ، وفقراء وحقهم في مال الصدقة . أما ما ملكت أيمانهم من العبيد والإماء فلا حق لهم في المالين جميعا .
والتأويل الثاني : أنه عائد إلى مال الفيء وحده وليس أحد إلا وله فيه حق ، أما الفقراء ففيه خمسه من سهم اليتامى والمساكين وبني السبيل ، وأما الأغنياء ففي أربعة أخماسه ، فإن كانوا من أهل الفيء فالعطاء ، وإن كانوا من غيرهم فمن المصالح ، وهذا على القول الذي نجعله مصروفا في المصالح .
والتأويل الثالث : أنه عائد إلى مال الفيء : لأنه إن اختص بأهل الفيء فنفعه عائد إلى غيرهم من الناس كلهم لذب أهل الفيء عنهم وقيامهم بالجهاد الذي به سقط الفرض عنهم ، فصار المال المصروف إلى من قام بغرض الجهاد عنهم كالمصروف إليهم ؛ وعلى هذا القول الذي جعله ملكا للجيش خاصة .