مسألة : قال الشافعي : " فإن كملها أعمى لا يقدر على القتال أبدا أو منقوص الخلق لا يقدر على القتال أبدا ، لم يفرض له فرض المقاتلة وأعطي على كفاية المقام وهو شبيه بالذرية " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا بلغ الصغار من ذرية أهل الفيء بالاحتلام أو باستكمال خمس عشرة سنة ، لم يخل حالهم من أحد أمرين : إما أن يكونوا قادرين على القتال ، أو عاجزين عنه ، فإن كانوا قادرين عليه خرجوا من جملة الذرية ، سواء كانوا من ذرية أموات أو أحياء ، لما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه جعل البلوغ فرقا بين الذرية والمقاتلة ، ولأن بلوغ الذرية يسقط نفقاتهم عن المقاتلة فخرجوا من جملة الذرية ، ثم هم بالخيار بين أن يكتبوا أنفسهم في ديوان الفيء فيكونوا من أهله وبين أن لا يفعلوا فيمنعوا من الفيء ويصيروا من أهل الصدقات ، وإن كانوا فقراء ، وإن بلغوا عاجزين على القتال لعمى أو زمانة ، لم يجز أن يثبتوا في ديوان الفيء منفردين ، وهل يبقوا على على ثلاثة أوجه : حكم الذرية في إعطائهم مال الفيء تبعا أم لا ؟
أحدها : أنهم باقون على حكم الذراري في منعهم من مال الصدقة وإعطائهم قدر الكفاية بين مال الفيء ، سواء كانوا ذرية لأحياء أو لأموات ، استصحابا لما تقدم في حكمهم .
الوجه الثاني : أنهم قد خرجوا في حكم الذراري لتميزهم بالبلوغ ويعدل بهم إلى مال الصدقات إن كانوا من أهلها ، وسواء كانوا ذرية لأحياء أو لأموات .
والوجه الثالث : أنهم إن كانوا من ذرية أموات منعوا من مال الفيء وعدل بهم إلى مال الصدقات ، وإن كانوا من ذرية أحياء بقوا في مال الفيء على حكم الذراري ومنعوا مال الصدقات : لأن الحي يجوز أن يكون متبوعا في مال الفيء لبقاء عطائه ، والميت لا يجوز أن يكون متبوعا فيه لسقوط عطائه ، والأصح عندي أن ينظر : فإن كان الذي أقعدهم عن القتال موجبا لنفقاتهم على الآباء بعد بلوغهم ، كوجوبها عليهم في صغرهم كالجنون والزمانة المانعة من الاكتساب بقوا على حكم الذراري في مال الفيء ، ولم يعدل بهم إلى مال الصدقات ، سواء كانوا ذرية أحياء أو أموات : لأن بقاء حكمهم في وجوب النفقة موجب لبقائهم [ ص: 453 ] على حكم الذرية في مال الفيء ، وإن كان ما أعجزهم عن القتال لا يوجب نفقاتهم بعد البلوغ لقدرتهم على الاكتساب مع العجز عن القتال خرجوا عن حكم الذرية في مال الفيء ، وعدل بهم إلى مال الصدقات إن كانوا من أهلها ، سواء كانوا ذرية أحياء أو أموات : لأن سقوط نفقتهم بالبلوغ تخرجهم عن حكم الذرية ، والله أعلم .