فصل : قال  الشافعي      : " وأحسبه يقول  وتنقل سهمان أهل الصدقات إلى أهل الفيء إن جهدوا وضاق الفيء   وينقل الفيء إلى أهل الصدقات إن جهدوا وضاقت الصدقات على معنى إرادة صلاح عباد الله ( قال  الشافعي      ) وإنما قلت بخلاف هذا القول لأن الله - جل وعز -      [ ص: 551 ] جعل المال قسمين أحدهما في قسم الصدقات التي هي طهرة فسماها الله لثمانية أصناف ووكدها ، وجاءت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم لا فقراء غيرهم ، ولغيرهم فقراء ، فلا يجوز فيها عندي والله أعلم أن يكون فيها غير ما قلت من ألا تنقل عن قوم وفيهم من يستحقها ولا يخرق سهم ذي سهم منهم إلى غيره وهو يستحقه ، وكيف يجوز أن يسمي الله تعالى أصنافا فيكونوا موجودين معا فيعطي أحدا سهمه وسهم غيره ، ولو جاز هذا عندي جاز أن يجعل في سهم واحد جميع سهام سبعة ما فرض لهم ، ويعطى واحد ما لم يفرض له ، والذي يخالفنا يقول لو أوصى بثلثه لفقراء بني فلان وغارمي بني فلان رجل آخر وبني سبيل وبني فلان رجل آخر . إن كل صنف من هؤلاء يعطون من ثلثه ، وأن ليس لوصي ولا وال أن يعطي الثلث صنفا دون صنف وإن كان أحوج وأفقر من صنف : لأن كلا ذو حق بما سمي له . وإذا كان هذا عندنا وعند قائل هذا القول فيما أعطي الآدميون أن لا يجوز أن يمضي إلا على ما أعطوا ، فعطاء الله أولى ألا يجوز أن يمضي إلا على ما أعطى .  
( قال ) وإذا قسم الله الفيء وسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أربعة أخماسه لمن أوجف على الغنيمة للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم ، ولم نعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضل ذا غناء على من دونه ولم يفضل المسلمون الفارس أعظم الناس غناء على جبان في القسم ، وكيف جاز لمخالفنا في قسم الصدقات وقد قسمها الله تعالى أمين القسم بعضا دون بعض وينقلها عن أهلها المحتاجين إليها إلى غيرهم ؛ لأن كانوا أحوج منهم ، أو يشركهم معهم ، أو ينقلها عن صنف منهم إلى صنف غيره ، ( أرأيت ) لو قال قائل لقوم أهل غزو كثير أوجفوا على عدو أنتم أغنياء ، فآخذ ما أوجفتم عليه فأقسمه على أهل الصدقات المحتاجين إذا كان عاما سنة لأنهم من عيال الله تعالى ، هل الحجة عليه ، إلا أن من قسم الله له بحق فهو أولى به وإن كان من لم يقسم له أحوج منه ؟  
وهكذا ينبغي أن يقال في أهل الصدقات ، وهكذا لأهل المواريث لا يعطى أحد منهم سهم غيره ولا يمنع من سهمه لفقر ولا لغنى ، وقضى معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته . ففي هذا معنيان :  
أحدهما : أنه جعل صدقته وعشره لأهل مخلاف عشيرته ، لم يقل لقرابته دون أهل المخلاف ، والآخر أنه رأى أن الصدقة إذا ثبتت لأهل مخلاف عشيرته لم تحول عنهم صدقته وعشره بتحوله عنهم وكانت كما يثبت بدءا ، فإن قيل : فقد جاء  عدي بن حاتم   أبا بكر      - رضي الله عنه - بصدقات  والزبرقان بن بدر ،   فهما وإن جاءا بها فقد تكون فضلا عن أهلها ، ويحتمل أن يكون  بالمدينة   أقرب الناس بهم نسبا ودارا ممن يحتاج إلى سعة من  مضر   وطيء   من  اليمن    [ ص: 552 ] ويحتمل أن يكون من حولهم ارتدوا فلم يكن لهم فيها حق ، ويحتمل أن يؤتى بها  أبو بكر      - رضي الله عنه - ثم يردها إلى غير أهل  المدينة   وليس في ذلك خبر عن  أبي بكر   نصير إليه . فإن قيل : فإنه بلغنا  أن  عمر      - رضي الله عنه - كان يؤتى بنعم من الصدقة  فبالمدينة   صدقات النخل والزرع والناس والماشية ،  وللمدينة   ساكن من  المهاجرين   والأنصار ،   وحلفاء لهم  وأشجع   وجهينة   ومزينة   بها وبأطرافها وغيرهم من قبائل العرب ،  فعيال ساكني  المدينة   بالمدينة ،   وعيال عشائرهم وجيرانهم وقد يكون عيال ساكني أطرافها بها وعيال جيرانهم وعشائرهم فيؤتون بها وتكون مجمعا لأهل السهمان كما تكون المياه والقرى مجمعا لأهل السهمان من العرب ، ولعلهم استغنوا فنقلها إلى أقرب الناس بهم وكانوا  بالمدينة ،      ( فإن قيل ) فإن  عمر      - رضي الله عنه - كان يحمل على إبل كثيرة إلى  الشام   والعراق ،   فإنما هي - والله أعلم - من نعم الجزية : لأنه إنما يحمل على ما يحتمل من الإبل ، وأكثر فرائض الإبل لا تحمل أحدا . وقد كان يبعث إلى  عمر   بنعم الجزية فيبعث فيبتاع بها إبلا جلة فيحمل عليها ( وقال ) بعض الناس مثل قولنا في أن ما أخذ منهم فسبيله سبيل الصدقات ) .  
قال  الماوردي      : وهذه مسألة سادسة أراد بها أهل  العراق ،   ولعل  أبا حنيفة   معهم فإنهم جوزوا  نقل الصدقات إلى أهل الفيء   ونقل الفيء إلى أهل الصدقات اعتبارا بشدة الحاجة ، ثم اختلفوا بعد النقل هل يقضى من نقل عنه سهمه إذا اتسع مال المنقول إليه ، فمنهم من أوجب القضاء ، ومنهم من أسقطه ، وعند  الشافعي   لا يجوز نقل الصدقة إلى أهل الفيء وإن جهدوا ، ولا نقل الفيء إلى أهل الصدقات وإن جهدوا . ويقسم كل واحد من الحالين في أهله : لأن الله تعالى سمى لكل مال مالكا ، فلم يجز أن يعدل به عنه لما فيه من إبطال النص ، ولأنه لما لم يجز أن يعدل بالغنيمة عمن سماه الله تعالى فيها انقيادا لحكم النص ، وإن كان غيرهم أشد ضرورة وأمس حاجة لم يجز في مال الفيء والصدقات أن يعدل به عن حكم النص ، ولأنه لما كانت عطايا الآدميين من الوصايا لا يجوز أن يعدل بها عمن سميت له فعطايا الله تعالى أولى ، ولأنه لما لم يجز أن يعدل بالمواريث عمن سماه الله تعالى إلى من هو آثر وأحوج ، فكذلك مال الفيء والصدقات ،  ولأن  عمر      - رضي الله عنه - كان يسم إبل الصدقة ميسما وإبل الجزية ميسما  ؛ فلولا تميز المستحق لكل واحد من المثالين لما ميز بالميسم .  
فإن قيل : فإن  عمر بن الخطاب      - رضي الله عنه - كان يحمل على إبل كثيرة من إبل الصدقة إلى  الشام   والعراق   فدل على جواز  دفع الصدقة إلى أهل الفيء      .  
قال  الشافعي   جوابا عن هذا : إن  عمر   إنما كان يحمل على إبل الجزية لا على إبل الصدقة : لأن أكثر فرائض الإبل في الصدقات لا يحمل عليه ، وقد روي عن  عمر      - رضي الله عنه - أنه كان يبعث إليه بنعم الجزية فيبعث بها فيبتاع بها إبلا يحمل عليها .  
 [ ص: 553 ] 
				
						
						
