فصل : وأما البكر الكبيرة فللأب - أو للجد عند فقد الأب - أن يزوجها جبرا كالصغيرة ، وإنما يستأذنها على استطابة النفس من غير أن يكون شرطا في جواز العقد .
وبه قال ابن أبي ليلى ، وأحمد ، وإسحاق .
وقال أبو حنيفة : ليس للأب إجبار البكر البالغ على العقد إلا عن إذن .
وبه قال الأوزاعي والثوري : فجعل الإجبار معتبرا بالصغيرة دون البكارة ، وجعل الشافعي الإجبار معتبرا بالبكارة دون الصغر ، واستدل من نص قول أبي حنيفة برواية عطاء عن جابر : أن رجلا زوج ابنته - وهي بكر - فمات ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما . وبرواية عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ، فكان على عمومه ، ولأنها متصرفة في مالها ، فلا يجوز إجبارها على النكاح كالثيب : ولأن كل من زال عنه الحجر في ماله ، زال عنه الحجر في نكاحه كالرجل . استأمروا النساء في أبضاعهن
ودليلنا رواية الشافعي عن مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فلما جعل الثيب أحق بنفسها من وليها علم أن ولي البكر أحق بها من نفسها ، ويكون قوله : الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها محمولا على الاستحباب دون الوجوب استطابة للنفس : لأنه لو كان محمولا على الوجوب لصارت أحق بنفسها من وليها كالثيب . والبكر تستأذن في نفسها
[ ص: 53 ] ومن القياس : أن كل من جاز له قبض صداقها بعد رضاها جاز له عقد نكاحها بغير رضاها كالأمة وكالبكر الصغيرة : ولأن ما استحق بالولاية في نكاح الصغيرة استحق بالولاية في نكاح الكبيرة قياسا على طلب الكفاءة ، ولما ذكره الشافعي من أنه : لو لم يكن له تزويجها جبرا في الكبر ، لما كان له تفويت بضعها في الصغر ، كالطفل يقتل أبوه لما لم يكن لوليه تفويت خياره عليه في القود والدية بعد البلوغ لم يكن له تفويته عليه قبل البلوغ ، وكان القاتل محبوسا حتى يبلغ ، فيختار أحد الأمرين .
فإن قيل : فهذا يبطل بالصبي ، فإن للأب أن يجبره على النكاح قبل البلوغ ، وليس له إجباره بعد البلوغ .
قلنا : ليس في تزويج الابن تفويت لما يقدر على استدراكه : لأنه يقدر على الطلاق إن شاء ، وله أن يتزوج غيرها من النساء ، والثيب لا تقدر على خلاص نفسها من عقد الأب إن لم يشأ .
وأما خبر عائشة فهو محمول على الثيب دون البكر تخصيصا بما ذكرناه .
وأما قياسهم على الثيب فالمعنى فيها : أنه لما لم يجز للأب قبض صداقها إلا بإذنها لم يجز له عقد نكاحها إلا بإذنها ، ولما جاز للأب قبض صداق البكر بغير رضاها عند أبي حنيفة ، وهو أحد قولي الشافعي ، جاز له أن يعقد نكاحها بغير رضاها : لأن التصرف في المبدل معتبر بالتصرف في البدل .
وأما قياسهم على الرجل فالمعنى فيه أنه لما لم يكن للأب أن يعترض عليه في نكاحه لم يكن له أن يجبره عليه وليس كذلك البكر .