فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا لقول الله تعالى وترافع إلينا منهم زوجان في طلاق أو ظهار أو إيلاء حكم بينهما فيه بحكم الإسلام وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم [ المائدة : 49 ] فإن طلق صح طلاقه وألزمه حكمه ، وإن ظاهر فيأتي حكم ظهاره ، وإن الأصح إيلاؤه .
وبه قال أبو حنيفة - رحمه الله - وقال أبو يوسف ، ومحمد ، ومالك : رحمهم الله - لا يصح إيلاؤه ، لقول الله تعالى في آية الإيلاء فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم [ البقرة : 226 ] والغفران والرحمة لا يستحقان مع الكفر فلم يتوجه به الإيلاء إلا إلى المسلم .
وهذا خطأ لأن كالمسلم، ولأن ما صح به إيلاء المسلم صح به إيلاء غير المسلم كالإيلاء بغير الله فأما آية الإيلاء فقد اختلف أصحابنا فيها على وجهين : من صح إيلاؤه بغير الله تعالى صح إيلاؤه بالله
أحدهما : أن عموم نصها تناول المسلم دون الكافر لما تضمنه آخرها من قوله فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم [ البقرة : 226 ] ثم قيس من آلى من الكفار ، على المسلمين لاشتراكهم في معنى الإيلاء كما قال تعالى ياأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها [ الأحزاب : 49 ] فقيس على ذلك طلاق الذميات .
والوجه الثاني : أن عموم نصها تناول المسلمين والكفار ، فعلى هذا لأصحابنا في قوله في آخرها : فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم [ البقرة : 226 ] .
أحدهما : أن قوله للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر [ البقرة : 226 ] عام في المسلمين والكفار ، وقوله تعالى فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم خاص في المسلمين دون الكفار ، فيكون أول الآية عاما وآخرها خاصا .
والوجه الثاني : أن جميعها عام في المسلمين ، وقوله فإن الله غفور رحيم [ البقرة : 226 ] [ ص: 406 ] خاص في غفران مأثم الإيلاء، والكفار قد يغفر لهم مأثم المظالم في حقوق الآدميين ولا يغفر لهم مأثم الأديان في حقوق الله تعالى .