مسألة : قال المزني رحمه الله تعالى : " ولو كان الصوم فرضه ما جاز اختيار إبطال الفرض، والرقبة فرض وإن وجدها لا غيرها، كما أن الوضوء بالماء فرض إذا وجده لا غيره، ولا خيار في ذلك بين أمرين فلا يخلو الداخل في الصوم إذا وجد الرقبة من أن يكون بمعناه المتقدم فلا فرض عليه إلا الصوم فكيف يجزئه العتق وهو غير فرضه أو يكون صومه قد بطل لوجود الرقبة فلا فرض إلا العتق، فكيف يتم الصوم فيجزئه وهو غير فرضه، فلما لم يختلفوا أنه إذا أعتق أدى فرضه ثبت أن لا فرض عليه غيره، وفي ذلك إبطال صومه كمعتدة بالشهور فإذا حدث الحيض بطلت الشهور وثبت حكم الحيض عليها، ولما كان وجود الرقبة يبطل صوم الشهرين كان وجودها بعد الدخول في الشهور يبطل ما بقي من الشهور، وفي ذلك دليل أنه . وقد قال إذا وجد الرقبة بعد الدخول بطل ما بقي من الشهرين الشافعي رحمه الله بهذا المعنى ؛ زعم في أنها لا تكون في عدتها حرة وتعتد عدة أمة، وفي الأمة تعتق وقد دخلت في العدة لا يكون في بعض صلاته مقيما ويقصر ثم قال وهذا أشبه بالقياس ( قال المسافر يدخل في الصلاة ثم يقيم المزني ) فهذا معنى ما قلت وبالله التوفيق " . [ ص: 510 ] قال الماوردي : فأما المزني فإنه أعرض لنصرة مذهبه بخمسة أسئلة :
أحدها : أن قال لو كان الصوم فرضه ما جاز إبطال الفرض، والتكفير بالعتق في جواز ذلك دليل على وجوب العتق دون الصوم .
والجواب عنه : أن فرض الصوم تخفيف والعتق تغليظ، وإسقاط الأخف بالأغلظ يجوز، كما أن فرض الواجد للماء بأكثر من ثمنه التيمم، ولو اشترى الماء وتوضأ به أجزأه وإن لم يكن فرضه ، والمريض فرضه في الصلاة القعود، ولو تحمل المشقة في قيامه أجزأه، كما ، كذلك إذا أيسر في تضاعيف الصوم . أن المعسر في الكفارة فرضه الصوم ولو استدان وأعتق أجزأه العتق
والسؤال الثاني : أن قال ، وإذا خير بين إتمام الصوم والعتق جعلت على التخيير وفي هذا إحالة فرض وتغيير نص . الفرض في كفارة الظهار على الترتيب
والجواب عنه : أن فرضها على الترتيب في الوجوب وعلى التمييز في الاستحباب ؛ كالمعسر يكفر بالصوم من عدم الرقبة وله الخيار في التكفير بالعتق إذا استحب التغليظ، ولا يكون في ذلك إحالة فرضها من الترتيب إلى التخيير .
والسؤال الثالث : أن وبطلت شهورها، كذلك المكفر بالصوم إذا وجد الرقبة . المعتدة بالشهور إذا حاضت في تضاعيف شهورها انتقلت إلى الأقراء واعتدت بالحيض
والجواب عنه : أن المعتدة وإن انتقلت برؤية الحيض إلى الاعتداد بالأقراء ففيها قولان :
أحدهما : أنها تعتد بما مضى من شهورها قرءا ثم تكمل أقراءها بالحيض والطهر، فعلى هذا يكون الفرق بين العدة والكفارة أنه قد يقع الاعتداد بما مضى من الشهور فجاز أن يلزم الانتقال إلى الأقراء وليس يقع الاعتداد بما مضى من الصوم فلم يلزم الانتقال إلى العتق لئلا يصير جامعا في التكفير بين الصوم والعتق .
والقول الثاني : أنها لا تعتد بما مضى من شهورها فعلى هذا يكون الفرق بين العدة والكفارة أن دخولها في العدة على شك من فرضها لجواز انتقالها من الشهور إلى الحيض ومن الحيض إلى الحمل، والدخول في الكفارة على يقين من الفرض فيه .
والسؤال الرابع : أن الأمة إذا أعتقت في العدة لزمتها عدة حرة، كذلك المكفر إذا أيسر .
والجواب عنه : أن في عدتها بعد العتق قولين :
أحدهما : أنها تعتد عدة أمة اعتبارا بالابتداء فعلى هذا يسقط السؤال [ ص: 511 ] والقول الثاني : تبني على عدة حرة اعتبارا بالانتهاء فعلى هذا يكون الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : ما قدمناه من أنه يقع الاحتساب بما مضى من العدة ولا يقع الاحتساب بما مضى من الصوم .
والثاني : أن الاعتبار في العدة بالانتهاء لوقوع الشك في الابتداء والاعتبار في الكفارة بالابتداء لانتفاء الشك عنه .
والسؤال الخامس : أن قال في المسافر إذا أحرم بالصلاة ناويا القصر ثم أقام لزمه أن يتمها صلاة مقيم ولا يبني وهو مقيم على صلاة مسافر، وإن كان في أولها مسافرا، كذلك المكفر لا يجوز أن يصوم إذا صار موسرا .
والجواب عنه : ما قدمناه في العدة من أنه قد يعتد بما مضى من صلاته قبل إقامته وهو لا يعتد في الكفارة بما مضى من صيامه فافترقا ، فإذا ثبت أنه لا يلزمه إذا دخل في الصوم الانتقال إلى العتق إذا قدر عليه هكذا إذا كان من أهل الإطعام لعجزه عن الصيام، فشرع فيه فأطعم بعض المساكين أو مسكينا واحدا ثم قدر على الصيام لم يلزمه الصوم وجاز أن يخرج باقي الإطعام ؛ لأنه قدر على المبدل بعد شروعه في البدل . والله أعلم .