الشافعي شك ، فأخبر صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى أن العدة الأطهار [ ص: 164 ] دون الحيض وقرأ " فطلقوهن لقبل عدتهن " وهو أن يطلقها طاهرا ؛ لأنها حينئذ تستقبل عدتها ، ، والقرء اسم وضع لمعنى ، فلما كان الحيض دما يرخيه الرحم فيخرج ، والطهر دما يحتبس فلا يخرج ، كان معروفا من لسان العرب أن القرء الحبس ، تقول العرب : هو يقري الماء في حوضه وفي سقائه ، وتقول : هو يقري الطعام في شدقه ، وقالت ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا من بعد الحيض عائشة رضي الله عنها : " هل تدرون ما الأقراء ؟ الأقراء : الأطهار " وقالت : " إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه والنساء بهذا أعلم " وقال زيد بن ثابت وابن عمر : إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها ( قال الشافعي ) : والأقراء والأطهار والله أعلم ، ولا يمكن أن يطلقها طاهرا إلا وقد مضى بعض الطهر وقال الله تعالى : الحج أشهر معلومات وكان شوال وذو القعدة كاملين وبعض ذي الحجة ، كذلك الأقراء طهران كاملان وبعض طهر .
قال الماوردي : اختلف أهل اللغة فيما : أحدها : ينطلق على الحيض حقيقة ، ويستعمل في الطهر مجازا ؛ لأنه لا تسمى المرأة من ذوات الأقراء إلا إذا حاضت واستشهادا بقول الراجز : ينطلق عليه اسم القرء على أربعة أقاويل
يا رب ذي ضغن علي فارض له قروء كقروء الحائض
يعني أن نفوذ حقده كنفوذ دم الحيض .والقول الثاني : أنه اسم ينطلق على الطهر حقيقة ، ويستعمل في الحيض مجازا ، لما ذكره الشافعي من أن القرء الجشم واستشهادا بقول الشاعر :
أفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها غريم عزائكا
مورثة مالا وفي الحي رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا
[ ص: 165 ] والقول الرابع : إنه اسم ينطلق على الانتقال من معتاد إلى معتاد فيتناول الانتقال من الحيض إلى الطهر ، والانتقال من الطهر إلى الحيض ، كما يقال : أقرأ النجم إذا طلع ، وأقرأ إذا غاب قال الشاعر :
إذا ما الثريا وقد أقرأت أحس السما كان منها أفولا
كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبت لقارئها الرياح
ومن الفقهاء : الأوزاعي ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، وأهل العراقين البصرة والكوفة . وقال الشعبي : الأقراء الأطهار : وبه قال من الصحابة : زيد بن ثابت ، وابن عمر ، وعائشة ، والقاسم بن محمد ، ومن الفقهاء : الزهري ، وابن أبي ذؤيب ، ومالك ، وربيعة ، وأبو ثور ، وحكى الزهري ، عن أبي بكر بن عمر ، وابن حزم : أنه قال : ما أجد أحدا من أهل المدينة في الأقراء خلافا لما قالته عائشة رضي الله تعالى عنها .
وقال أحمد بن حنبل : أنا أعلم فيها بقول زيد بن ثابت ، ثم قال : أنا لا أحسن أن أفتي فيها بشيء فتوقف . وتأثير هذا الاختلاف في حكم أن من جعل الأقراء الأطهار قال : إن طلقت في طهر كان الباقي منه ، وإن قل قرءا ، فإذا حاضت وطهرت الطهر الثاني كان قرءا ثانيا ، فإذا حاضت وطهرت الطهر الثالث حتى برز دم الحيضة الثالثة كان قرءا ثالثا ، وقد انقضت عدتها . المعتدة
وإن طلقت في الحيض ، فإذا برز دم الحيضة الرابعة انقضت عدتها . ومن قال : الأقراء : الحيض ، قال : إن طلقت في طهر أو حيض لم تعد بما طلقت فيه [ ص: 166 ] من الطهر والحيض ، وتنقضي عدتها بدخولها في الطهر الرابع ، واستدل من جعل الأقراء الحيض بقول الله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] فاقتضت الآية استيفاء ثلاثة أقراء ، ومن جعلها الأطهار ، لم يستوفها إذا طلقت في طهر وجعل عدتها منقضية بقرأين وبعض ثالث ، ومن جعل الحيض استوفاها كاملة فصار بالأطهار أخص ؛ لأنه لما تنقض الأقراء الثلاثة كما لم تنقض الشهور الثلاثة .
ثم قال عقيبه : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن [ البقرة : 228 ] يعني ما تنقضي به العدة من حمل وحيض ، فدل على أن الأقراء المعتد بها هي الحيض وقوله تعالى : ( فطلقوهن لعدتهن ) [ الطلاق : 1 ] ولم يقل : في عدتهن ، والطلاق لها غير الطلاق فيها ، ومن جعل الأقراء الأطهار قد جعل الطلاق في العدة إذا طلقت في طهر ، ومن جعلها الحيض استقبل بها العدة فكان بالظاهر أحق ، وبقوله تعالى : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر [ الطلاق : 4 ] فنقلها عما يئست منه إلى بدله ، والبدل غير المبدل ، فلما كان الإياس من الحيض دل على أن الأقراء هي الحيض ، واستدلوا من السنة برواية مظاهر بن أسلم ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وهذا نص في الاعتداد بالحيض دون الطهر ، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان لفاطمة بنت أبي حبيش : يعني : أيام حيضتك ، فكان ذلك أيضا قضاء على الحيض في الأقراء ، واستدلوا من الاعتبار بأن الإجماع منعقد على أن انقضاء العدة يكون بالحيض ؛ لأن من يجعلها الأطهار جعل عدتها متقضية بدخولها في الحيض ، ومن جعلها الحيض جعل عدتها متقضية بخروجها من الحيض ، فقاسوا الطرف الأول على الطرف الثاني فقالوا : أحد طرفي العدة فوجب أن يكون حيضها الثاني . اقعدي عن الصلاة أيام أقرائك
قالوا : ولأن العدة إذا انقضت بخروج كامل وقت انقضائها على انفصال جميعها كالحمل لا ينقضي بخروج بعضه ، كذلك بالحيض الأخير لا ينقضي العدة بخروج بعضه حتى يستكمل .
قالوا : ولأن مقصود العدة يراد براءة الرحم عن الحمل ، وذلك يكون بالحيض دون الطهر ، فكان اعتبار الأقراء بما يرى أولى من اعتبارها بما لا يرى ، ولأن موضوع العدة الاستبراء في الحرة والأمة ، ثم ثبت أن استبراء الأمة بالحيض دون الطهر ، فكذلك الحرة ؛ لأن الاعتداد بالأقراء عند فقد الحمل فكانت بدلا منه ثم ثبت أن الاعتداد [ ص: 167 ] للحامل بخروج ما في البطن ، فاعتداد ذات الأقراء يجب أن يكون بخروج ما في البطن وهو الحيض دون الطهر .