مسألة : قال الشافعي : " ولا تنكح المرتابة وإن أوفت عدتها ؛ لأنها لا تدري ما عدتها فإن نكحت لم يفسخ ووقفناه ، فإن برئت من الحمل فهو ثابت وقد أساءت ، وإن وضعت بطل النكاح ( قال المزني ) رحمه الله : جعل الحامل تحيض ولم يجعل لحيضها معنى يعتد به كما تكون التي لم تحض تعتد بالشهور ، فإذا حدث الحيض كانت العدة بالحيض والشهور كما كانت تمر عليها وليست بعدة ، وكذلك الحيض يمر عليها وليس كل حيض عدة كما ليس كل شهور عدة " . قال الماوردي : أما فهي التي تمضي في أقرائها وهي مرتابة بحملها لما تجده من غلظ وتحس به من نقل وهي ممنوعة من النكاح بعد انقضاء عدتها حتى تزول ريبتها ، فإن نكحت قال المرتابة الشافعي هاهنا لم يفسخ النكاح ووقفناه ، فإن برئت من الحمل فهو ثابت وقد أساءت وإن وضعت بطل النكاح . وقال في موضع آخر إن نكحت المرتابة فنكاحها باطل ، وليس ذلك على قولين كما وهم فيه بعض أصحابنا وإنما هو على اختلاف حالين واختلف أصحابنا في اختلاف حالتها على وجهين : أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأبي سعيد الإصطخري وأبي علي بن خيران : الموضع الذي أبطل فيه نكاحها إذا كانت الريبة موجودة قبل انقضاء عدتها والموضع الذي وقف فيه نكاحها إذا أحدثت الريبة بعد انقضاء عدتها ؛ لأن العدة موضوعة لاستبراء الرحم ، ووجود الريبة فيها تمنع من استبرائها ، فلم يجز أن يحكم بانقضائها ؛ فلذلك بطل نكاحها لأنها في حكم الباقية في عدتها وإن انقضت أقراؤها [ ص: 201 ] وإذا صدقت الريبة بعد العدة فقد تقدمها الحكم بانقضاء العدة فلم تنقض لمظنون مجوز ، وإن كان النكاح موقوفا على ما تحقق من حال الحمل كالحاكم إذا اجتهد ، ثم بان له ما هو أولى من اجتهاده الأول فإن كان قبل نفوذ الحكم به رجع عن الأول وحكم الثاني ، وإن كان بعد نفوذ الحكم به أمضى الحكم بالاجتهاد الأول ولم يبعضه فإن بان له مخالفة النص نقضه . والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس بن سريج ، وأبي علي بن أبي هريرة أن اختلاف حالتهما محمول على غير ذلك ، وهو أن الموضع الذي يبطل فيه نكاحها إذا كانت الريبة موجودة قبل عقد النكاح ، والموضع الذي وقف فيه نكاحها إذا حدثت الريبة بعد عقد النكاح : لأن استبراءها قبل النكاح من حقوق الأول : لأن ولدها يلحق به إلى مدة أربع سنين من طلاقه فاستوى في حقه وجود الريبة قبل العدة وبعدها فلذلك بطل نكاحها واستبراؤها بعد النكاح في حق الثاني ؛ لأنه يلحق به ولدها إذا وضعته لستة أشهر فلذلك وقف نكاحها .
فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من اختلاف الوجهين ينزل لها منه ثلاثة أحوال : أحدها : ما كان نكاحها فيه باطلا ، وهو أن تكون الريبة موجودة قبل انقضاء العدة فلا يختلف أصحابنا في بطلان نكاحها ، سواء زالت الريبة أو تحققت بالولادة . والحال الثاني : ما كان نكاحها فيه موقوفا ، وهو أن تحدث الريبة بعد النكاح فلا يختلف أصحابنا أن عقد النكاح لا يبطل : لأنه عقد على الصحة في الظاهر فلم يبطل بالوهم لكن يكره له وطؤها حتى ينظر ما يكون من حال ريبتها ، فإن انفش الحمل كان النكاح على صحته ، وإن وضعت لستة أشهر من وقت العقد فالولد للثاني ، والنكاح على صحته ، وإن وضعته لأقل من ستة أشهر فهو للأول ، والنكاح حينئذ باطل . والحال الثالثة : ما كان نكاحها مختلفا فيه وهو أن تكون الريبة حادثة بعد انقضاء العدة ، وقبل نكاح الثاني ففي النكاح وجهان : أحدهما : باطل ، وهو قول من اعتبر الريبة قبل النكاح . والوجه الثاني : موقوف ، وهو قول من اعتبر الريبة قبل العدة . فإن قيل : كيف يكون النكاح على مذهب الشافعي موقوفا وعقد النكاح عنده لا يقف على الإجازة ، ولا ينعقد إلا على فساد أو صحة ؟ قيل : إنما جعل موقوفا على الفسخ لا على الإجازة والإمضاء كما يوقف نكاح الوثنيين إذا أسلم أحدهما على الفسخ دون الإمضاء .