مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو بدأت فاعتدت أربعة أشهر وعشرا ؛ لأنه النكاح الصحيح الأول ، ثم اعتدت بثلاثة قروء " . قال مات الزوج الأول والآخر ولا يعلم أيهما مات أولا الماوردي : وصورتها أن ، فذلك مبني على عقد الثاني : هل هو صحيح أو فاسد ، فإن قيل بصحته ، وأن نكاح الأول قد انفسخ بالحكم على قوله في القديم نظر في الميت منهما ، فإن كان هو الأول فلا ميراث لها منه ولا عدة عليها له ، وإن كان الميت هو الثاني فلها ميراثه ، وعليها أن تعتد منه عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر ، فإن لم يعلم أيهما هو الميت فلا عدة عليها ولا ميراث لها : لأن الزوج منهما هو الثاني وهي شاكة في موته فكانت باقية على نكاحه حتى يتيقن موته فتعتد منه وترثه . وإن قيل بفساد نكاح الثاني وبقائها على نكاح الأول لم يخل حال من مات منهما من أربعة أقسام : إما الأول أو الثاني أو أحدهما لا بعينه أو هما جميعا معا . [ ص: 326 ] فأما القسم الأول وهو أن تتزوج امرأة المفقود بالحكم بعد مدة التربص ، ثم يموت الزوجان أو أحدهما فالكلام متوجه إلى بيان حكمي العدة ، والميراث فهو الزوج الموروث ، فعليها أن تعتد منه عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا ، ولا يكون أولها وقت الموت ؛ لأنها قد صارت فراشا للثاني بخلاف ما لو كانت باقية على فراش الأول ، فإذا فرق بينها وبين الثاني بدأت بعدة الأول واستحقت ميراثه . وأما القسم الثاني : وهو أن يموت الأول دون الثاني فلا ميراث لها منه ؛ لأنه ليس بزوج يورث ، وعليها أن تعتد من موته بالأقراء دون الشهور ؛ لأنها عدة استبراء لا عدة زوجية ، فتعتد بثلاثة أقراء من وقت موته بخلاف موت الأول . والفرق بينهما : أنها فراش للأول بالعقد وفراش للثاني بالوطء فراعينا في عدة الأول أن تبتدئها بعد رفع فراش الأول : لأنه ثابت مستحق . وأما القسم الثالث : وهو أن يموت الثاني دون الأول فعليها أن تعتد أكثر الأجلين من أربعة أشهر وعشر ، أو ثلاثة أقراء ، فإن كان الأول هو الميت فقد انقضت عدته بأربعة أشهر وعشر ، وإن كان الثاني هو الميت فقد انقضت عدته بثلاثة أقراء . وأما القسم الرابع : وهو أن يموتا معا فلا يخلو حال موتهما من أربعة أقسام : إما أن يتقدم موت الأول ، وإما أن يتقدم موت الثاني ، وإما أن يموتا في حال واحدة ، وإما أن يجهل المتقدم منهما . فأما القسم الأول ، وهو أن يتقدم موت الأول ثم يموت الثاني بعده فتبدأ بعدة الأول من بعد موت الثاني بأربعة أشهر وعشر ، ثم تعتد للثاني بعد انقضاء عدة الأول بثلاثة أقراء ولها ميراث الأول دون الثاني . وأما القسم الثاني وهو أن يتقدم موت الثاني ، ثم يموت الأول بعده ، فأول عدتها من الثاني من وقت موته ، ثم يراعى موت الأول ، فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يموت بعد قضاء عدة الثاني فقد وفت عدة الثاني ، وعليها أن تستأنف عدة الأول من وقت موته بأربعة أشهر وعشر . والحال الثانية : أن يموت الأول في تضاعيف عدة الثاني ، كأنه مات بعد قرء واحد من عدته فتقطع وفاة الأول عدة الثاني لصحة عقده وقوة حقه وتعتد منه بأربعة أشهر وعشر ، فإذا استكملتها عادت فتمت عدة الثاني ، وبنت على ما مضى منها وهو قرء واحد فتأتي بقرأين ، وقد حلت من العدتين ، وهكذا لو وطئت زوجة رجل بشبهة فشرعت في الاعتداد من وطئه ، ثم طلقها الزوج في تضاعيف عدتها أو مات عنها انقطعت عدة الوطء ، ولزمها أن تعتد للزوج من طلاقه أو موته ، فإذا أكملت عدته [ ص: 327 ] عادت فتمت عدة الواطئ بشبهة لقوة حق الزوج على حقه بصحة عقده . والحال الثالثة : أن يجهل ما بين موتهما فيلزمها أن تعمل على أغلظ الأمرين ، وهو أن تبتدئ بعدة أقرب الموتين بعدة الوفاة عن الأول أربعة أشهر وعشرا ، ثم تعتد بعدها عن الثاني بثلاثة أقراء . وأما القسم الثالث : وهو أن يموتا في حال واحدة فقد اجتمع عليها عدتان لا يتداخلان فتقدم عدة الأول لصحة عقده وقوة حقه فتعتد منه أربعة أشهر وعشرا ، ثم تعتد بعد انقضائها عن الثاني بثلاثة أقراء ، فلو لم يعلم بموتهما حتى مضت عليها العدتان حلت ؛ لأن العدة مضى زمان لا يعتبر فيه النية ، ثم قد مضى الزمان فوجب أن يقع به الاعتداد . وأما القسم الرابع : وهو أن لا يعلم أيهما تقدم موته فلا يجوز أن يقع الاعتداد بما بين الموتين ، وإن كان معلوم القدر ؛ لأنه قد يجوز أن يتقدم موت الثاني فتعتد به من أقرائه ، ويجوز أن يتقدم موت الأول فلا يعتد به من شهوره فلم يجز مع الإشكال أن تعتد به في حق واحد منهما ، فأما ما بعد الموتتين فلا يخلو أن يكون معلوما أو غير معلوم ، فإن كان معلوما كان محسوبا من شهور الأول ، ولا يحتسب من أقراء الثاني ، لأن عدة الأول مقدمة على عدة الثاني ، فإذا استكملت أربعة أشهر وعشرا استأنفت للثاني ثلاثة أقراء ، وإن كان ما بعد الموتين مجهولا استظهرت فيه بأقرب عهده وأقربه عهدا مسافة ، فإن كان الموت على مسافة شهر احتسب بشهر من عدة الأول ، وبنت ، وإن كان حتى تستيقن بعد الموتين على مسافة عشرة أيام احتسبت بها ثم بنت استكمال أربعة أشهر وعشر وثلاثة أقراء ، فأما إن كانت عند موتهما حاملا فحبلها لاحق بالثاني دون الأول فتنقضي به عدة الثاني ، وإن تأخر موته ، لأن الحمل لا يعتد بوضعه إلا ممن هو لاحق به ، ثم عليها أن تعتد بعد الوضع بأربعة أشهر وعشر عن الأول ، وهل تحتسب بمدة النفاس فيها أم لا : على وجهين : أحدهما : وهو قول يموت أحدهما ولا يعلم الميت منهما أبي علي بن أبي هريرة : لا تحتسب مدة نفاسها في عدة الأول ؛ لأن النفاس من توابع العدة الفاسدة فكان في حكمها . والوجه الثاني : وهو قول الجمهور ، والظاهر من كلام الشافعي أنها تحتسب مدة النفاس من عدة الأول ؛ لأنها بالولادة خارجة عن عدة الثاني ، وتحل للأزواج لو حلت من عدة أخرى .