مسألة : القول في تفريق الوضوء  
قال  الشافعي   رضي الله عنه : وإن فرق وضوءه ، وغسله أجزأه ، واحتج في ذلك  بابن عمر      .  
قال  الماوردي      : اعلم أن  الموالاة في الوضوء   أفضل ، ومتابعة الأعضاء أكمل انقيادا لما يقتضيه الأمر من التعجيل واتباعا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم . فإن فرق فالتفريق ضربان قريب وبعيد : فالقريب معفو عنه لا تأثير له في الوضوء وحده ما لم تجف الأعضاء مع اعتدال الهواء في غير برد ولا حر مشتد وليس الجفاف معتبرا ، وإنما زمانه هو التعبير .  
وأما البعيد فهو أن يمضي زمان الجفاف في اعتدال الهواء ففيه قولان :  
أحدهما : وبه قال في القديم أنه غير جائز والوضوء معه غير صحيح وبه قال من الصحابة  عمر بن الخطاب   ، ومن الفقهاء  الأوزاعي   وأحمد      .  
والقول الثاني : وبه قال في الجديد أنه جائز والوضوء معه صحيح ، وبه قال من الصحابة  عبد الله بن عمرو   ومن التابعين  الحسن   وسعيد بن المسيب   ، ومن الفقهاء  الثوري   وأبو      [ ص: 137 ] حنيفة      . وقال  مالك   والليث بن سعد      : إن فرقه لعذر جاز ، وإن فرقه لغير عذر لم يجز . ووجه القول الأول بأنه لا يجوز أن مطلق أمر الله تعالى بالوضوء لقوله :  فاغسلوا وجوهكم وأيديكم      [ المائدة : 6 ] . يقتضي الفور والتعجيل وذلك يمنع من التأجيل ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ على الولاء ثم قال : "  هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به     " يعني إلا بمثله في الموالاة ، وروى  قتادة   عن  أنس   أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وترك على قدميه مثل موضع الظفر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجع فأحسن وضوءك     " ولأنها عبادة يرجع في حال العذر إلى شطرها فوجب أن تكون الموالاة من شرطها كالصلاة .  
ووجه قوله في الجديد بأنه يجوز ، هو أن التفريق لا يمنع من امتثال الأمر في قوله تعالى :  فاغسلوا وجوهكم   ، فوجب ألا يمنع من الإجزاء ، فإن قيل : فالأوامر تقتضي الفور ، قيل : فيه بين أصحابنا خلاف ، وروى  نافع   ،  عن  ابن عمر   أنه توضأ في منزله وفي رجليه خفان فلم يمسح عليهما حتى خرج إلى المسجد فحضرت جنازة فدعى بماء فمسح على خفيه وذلك  بالمدينة   فلم ينكر ذلك عليه أحد  ، ولأنه تفريق في تطهير فجاز كالتفريق اليسير ولأن كل عبادة جاز فيها التفريق اليسير جاز فيها التفريق الكثير كالحج طردا ، والصلاة عكسا ، ولأن كل عبادة جاز تفريق النية على أبعاضها جاز تفريق أبعاضها كالزكاة ، وبيان ذلك أنه لما جاز تفريق نية الزكاة على ما يؤديه حالا بعد حال ، جاز تفريق ما يؤديه في زمان بعد زمان ، كذا الوضوء لما جاز تفريق النية على أعضائه جاز تفريق النية على أعضائه .  
فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من توجيه القولين فالحكم في الوضوء والغسل سواء وتفريقهما على قولين :  
فأما  تفريق التيمم   فقد اختلف أصحابنا فيه فكان  أبو الحسن بن القطان   وطائفة يخرجونه على قولين كتفريق الوضوء سواء ، وكان جمهور أصحابنا يمنعون من تخريج القولين فيه ويبطلونه بالتفريق قولا واحدا ويفرقون بينهما بأن تعجيل التيمم للصلاة مستحق وتعجيل الوضوء غير مستحق ، والله أعلم .  
				
						
						
