مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " " . فمن احتلم ، أو حاض ، أو استكمل خمس عشرة سنة لزمه الفرض
قال الماوردي : وهذا صحيح : أما البلوغ في الغلمان ، فقد يكون بالسن ، والاحتلام ، فأما الاحتلام فهو الإنزال ، وهو البلوغ لقوله تعالى : وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا [ النور : 59 ] . وأما السن فإذا استكمل خمس عشرة سنة صار بالغا لحديث ابن عمر ، وخالفه أبو حنيفة في سن البلوغ ، وسيأتي الكلام معه في كتاب " الحج " إن شاء الله ، فأما غلظ الصوت ، واخضرار الشارب ، ونزول العارضين فليس ببلوغ لا يختلف ، فأما إنبات الشعر في العانة فإن كان زغبا لم يكن بلوغا ، وإن كان شعرا قويا كان بلوغا في المشركين ، ولما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم بقتل من جرت عليه المواسي ، وسبي الذراري ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وقال : " لقد حكمت بحكم الله عز وجل من فوق سبع أرقعة ، يعني : سبع سماوات . قال : وكنا نكشف مؤتزرهم فمن أنبت قتلناه ، ومن لم ينبت جعلناه في الذراري ، فأما حكمنا في على قولين : بلوغ المشركين بالإنبات فهل هو بلوغ فيهم حقيقة ، أو دلالة على بلوغهم ؟
أحدهما : أنه بلوغ فيهم .
والثاني : أنه دلالة على بلوغهم ، فإن قلنا : إنه بلوغ فيهم كان بلوغا في المسلمين كالاحتلام ، وإذا قلنا : دلالة فيهم ، فهل يكون دلالة في المسلمين أم لا ؟ على وجهين :
[ ص: 315 ] أحدهما : يكون دلالة فيهم .
والثاني : وهو أصح ، لا يكون دلالة ، ولا يحكم في بلوغهم .
والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن التهمة تلحق المسلم في الإنبات إذا جعل بلوغا ، لأنه يستفيد فيه تخفيف أحكامه ، فله حجره والتصرف في ماله ، وقبول شهادته ، وكونه من أهل الولايات ، والكافر غير متهم لأن أحكامه تغلظ ، فيقتل إن كان حربيا ، ولا يقر على دينه إن كان وثنيا ، وتؤخذ جزيته إن كان كتابيا .
والثاني : أن الضرورة داعية إلى جعل الإنبات بلوغا في المشركين ، لأنه لا تقبل شهادتهم على أنسابهم التي لا تعرف إلا من جهتهم ، وتقبل شهادة المسلمين ، فلم تدع الضرورة إلى جعل الإنبات بلوغا فيهم ، فأما الجارية فتبلغ بجميع ما يبلغ به الغلام وتبلغ أيضا بشيئين آخرين : وهما الحيض والحمل .
فأما الحيض فبلوغ ، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا حاضت المرأة فلا يحل أن ينظر إلى شيء منها إلا وجهها وكفيها .
وأما الحمل فيعلم به سن البلوغ إلا أنه في نفسه بلوغ ، قال الله تعالى : فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب [ الطارق : 45 ، 46 ] . فأخبر الله تعالى أن الحمل يخلق من ماء يخرج من بين أصلاب الرجال وترائب النساء ، فعلم بالحمل وجود الإنزال منها .
فأما ، فأما الحيض ، والإنزال فله ثلاثة أحوال : الخنثى المشكل فيكون بالغا بالسن
أحدهما : أن يحيض .
والثاني : أن ينزل .
والثالث : أن يجمع الأمرين الحيض والإنزال . فأما الحيض وحده فلا يكون بلوغا فيه بحال ، سواء خرج دم الحيض من فرجه ، أو ذكره أو منهما ، وأما الإنزال وحده ، فإن كان من ذكره لم يكن بلوغا لجواز كونه امرأة ، وإن كان من فرجه لم يكن بلوغا لجواز كونه رجلا : وإن كان من فرجه وذكره معا كان بلوغا يقينا : لأنه إن كان رجلا فقد بلغ بالإنزال من ذكره ، وإن كان امرأة فقد بلغت بالإنزال من فرجها ، وأما الإنزال والحيض إذا اجتمعا فإن كانا معا من فرجه لم يكن بلوغا ، وإن كانا معا من ذكره لم يكن بلوغا ، وإن كان الإنزال من ذكره ، ودم الحيض من فرجه فمذهب الشافعي أنه بلوغ لجمع بين بلوغ الرجال والنساء . وقال الشافعي في كتاب " الأم " : " إن أنزل وحاض لم يكن بلوغا " . وليس هذا قولا ثانيا ، وإنما له أحد تأويلين : إما أن يكون قال : أنزل أو حاض ، فأسقط الكاتب ألفا وإن كانا معا من أحد الفرجين .