مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " وأكره ، لأنه قد يحيل المعنى ، فإن لحن أو لفظ بالعجمية في أم القرآن أجزأته دونهم ، وإن كان في غيرها أجزأتهم " . إمامة من يلحن
قال الماوردي : وهذا صحيح .
أما اللحنة في القرآن فإمامته مكروهة ، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : واللحنة لا يستحق هذه الصفة ، ولأنه ربما سمعه بعض العامة ومن لا معرفة له بالعربية فظن أن هذا مما يجوز وتشرع القراءة به ، فيستمر عليه في قراءته . يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، عز وجل
فإن أم من يلحن ، وصلى الناس خلفه جماعة لم يخل لحنه من أحد أمرين : إما أن يكون في الفاتحة ، أو في غير الفاتحة . فإن كان في غير الفاتحة : فعلى ضربين :
أحدهما : أن يحيل المعنى بلحنه .
والثاني : أن لا يحيله فإن لم يحل المعنى بلحنه كانت صلاته وصلاة من خلفه جائزة ، وينبغي له أن يقوم لسانه بقصد الصواب ، ومعاطاة الإعراب . وإن أحال المعنى بلحنه فله حالان :
أحدهما : أن يسبق به لسانه من غير قصد ولا تعهد سهوا أو جهلا ، فصلاته وصلاة من خلفه جائزة ، لأنه قد أتى بما وجب من القرآن سليما ، وكان النقص فيما لا يضر تركه ، فلم يقدح ذلك في صلاته ولا أثر في صحتها .
والثاني : أن يقصد إحالة المعنى بلحنه مع علمه بالصواب فيه فصلاته باطلة مع إساءته وإثمه ، لأن إحالة المعنى تزيل إعجاز اللفظ ، وتبطل حكمه ، وتخرجه من جملة القرآن إلى جنس الكلام ، فيصير كالمتكلم عامدا في صلاته ، فلذلك بطلت ، فأما من خلفه من [ ص: 324 ] المأمومين فإن علموا بحاله بطلت صلاتهم ، وإن لم يعلموا فصلاتهم جائزة كالمصلي خلف جنب .
والحالة الثانية في أصل المسألة : أن يكون لحنه في الفاتحة فهو على ضربين :
أحدهما : أن يحيل المعنى بلحنه .
والثاني : أن لا يحيله ، فإن لم يحل المعنى فصلاته جائزة ، وصلاة من خلفه كقوله : إياك نعبد [ الفاتحة : 15 ] . بفتح الدال وإياك نستعين اهدنا الصراط [ الفاتحة : 5 ، 6 ] بكسر النون من " نستعين " ، وفتح الألف من " اهدنا " ، فهذا اللحن وأشباهه لا يحيل المعنى ولا يبطل الصلاة ، وإنما لم تبطل الصلاة : لأنه قد أتى بالمعنى المقصود بلفظه ، وإن أساء في العبارة بلحنه فلم يكن سوء عبارته مع استيفاء اللفظ والمعنى مؤثرا في صلاته .
والضرب الثاني : أن يحيل المعنى بلحنه ، كقوله " أنعمت " عليهم ، بضم التاء ، ولا " الظالين " بالظاء وتشديد اللام بمعنى الإقامة على الشيء ، لا من الضلال إلى ما أشبه ذلك من اللحن المحيل للمعنى ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون قاصدا لإحالة المعنى مع معرفة الصواب والقدرة على الإتيان به ، فهذا فاسق ، بل إن فعل ذلك عنادا كان كافرا ، وصلاته باطلة : لأنه مستهزئ بكتاب الله عز وجل في صلاته ، عادل عما وجب عليه فيها ، وكذلك صلاة من خلفه باطلة إن علموا بحاله ، وإن لم يعلموا بحاله فصلاتهم جائزة ، إلا أن يحكم بكفره الإمام لاستهزائه فلزمهم الإعادة ، وإن لم يعلموا بحاله كالمؤتم بكافر .
والضرب الثاني : أن يفعله عن غير قصد لإحالة المعنى ، فهذا على ضربين أيضا :
أحدهما : أن يقدر على الصواب ، وإنما عدل عنها ساهيا ، أو ناسيا ، فهذا بمنزلة من ترك قراءة بعض الفاتحة ناسيا ، وإن ذكر ذلك قبل سلامه أعاد قراءة ما أحال معناه وسجد للسهو وصلاته مجزئة ، فإن لم يعدها فصلاته باطلة : لأنها عريت عن قراءة الفاتحة مع القدرة عليها ، وإن ذكر ذلك بعد سلامه وقد تطاول الزمان . ففي صلاته قولان مضيا .
أحدهما : باطلة .
والثاني : جائزة .
وأما من صلى خلفه ، فإن جوزنا صلاته فصلاتهم جائزة ، وإن أبطلنا صلاته كانت صلاتهم باطلة إن علموا بحاله ، وجائزة إن لم يعلموا بحاله .
والضرب الثاني : أن لا يقدر على الصواب إما لبطء ذهنه ، وقلة ضبطه ، أو لاضطراب لسانه وتعذر استقامته ، فصلاته في نفسه جائزة : لأنه قد أتى بما لا يمكنه الزيادة عليه . فأما [ ص: 325 ] صلاة من خلفه فمن كان منهم في مثل حاله بإحالة المعنى بلحنه ، فصلاته جائزة ولاستوائهما في النقص ، ومن كان منهم قادرا على إتمام القراءة بإصابة المعاني واجتناب اللحن فهو في حكم القارئ إذا صلى خلف الأمي فيكون في بطلان صلاته قولان على ما سنذكره ، فلو فأحال الإمام بلحنه معنى كلمة أصاب المأموم معناها ، وأحال معنى كلمة سواها . ففي صلاة المأموم وجهان : اختلف لحن الإمام ، والمأموم
أحدهما : جائزة لاشتراكهما في اللحن وإن اختلف .
والوجه الثاني : باطلة وهو الصحيح ، لأنه يفضل على إمامه فيما قصر عنه ، وإن اعتوره النقص من غيره ، وكذا لو كان المأموم لا يحسن الفاتحة ويحسن سبع آيات لا يلحن فيهن أو لا يحسن من القرآن شيئا ، ولكنه يسبح ولا يلحن ، ففي إيجاب الإعادة عليه إذا صلى خلف من يحيل بلحنه معنى الفاتحة وجهان على ما ذكرنا .