فصل :
على قولين : وإن كان القتل موجبا للقود ، فهل يستحق القود بالقسامة ويشاط بها الدم ، أم لا ؟
أحدهما : وبه قال في القديم ، وهو مذهب مالك ، وأحمد بن حنبل ، وبه قال عبد الله بن الزبير وحكم به في أيامه : أن القود بها ثابت ، ودليله حديث يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار ، عن سهل بن أبي حثمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار : . يعني للقود . يحلف خمسون منكم على رجل منهم ، فيدفع برمته
وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، بني نضر بن مالك ، ولأن ما ثبت به القتل تعلقت عليه أحكامه كالبينة . أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل بالقسامة رجلا من
والقول الثاني : وهو قوله في الجديد .
وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو مذهب أبي حنيفة : أنه . ودليله ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى لا قود في القسامة ، وتجب بها الدية يهود خيبر في قصة الأنصار : " " ، فدل على وجوب الدية دون القود . إما أن تدوا صاحبكم أو تؤذنوا بحرب
فإن قيل : فقد كتب إليهم قبل القسامة ، وقبل وجوب القود . قيل : إنما كتب بذلك بيانا للحكم المستحق بالقسامة ، وإلا فمعلوم أن الدية لا تجب قبل القسامة كما لم يجب القود ، ولأن أيمان المدعي هي غلبة ظن فصار شبهة في القود ، والقود يسقط بالشبهة ، [ ص: 15 ] ولأن الحكم بالقسامة للاحتياط في حق الدماء ، فكان مقتضى هذا المعنى وجوب الدية وسقط القود .
فإذا تقرر توجيه القولين ، فإن قيل بالأول في إشاطة الدم ووجوب القود ، فإن كانت القسامة في الدعوى على واحد ، قتل قودا . وإن كانت على جماعة ، فقد اختلف القائلون بهذا القول في عدد من يقتل . فالظاهر من مذهب الشافعي على هذا القول : أنه تقتل الجماعة وإن كثروا ، إذا أمكن أن يشتركوا : لأن القسامة في استحقاق القود تجري مجرى البينة .
وقال مالك : لا أقتل به أكثر من اثنين . وحكاه أبو ثور عن الشافعي في القديم .
وحكى الربيع بن سليمان قولا لنفسه : أنه لا يقتل به أكثر من واحد . وبه قال أبو العباس بن سريج حقنا للدماء ، ولضعف القسامة عن البينة .
وقال أبو العباس : وأجعل للولي بعد أيمانه الخيار في قتل أي الجماعة شاء ، فإذا قتل أحدهم أخذ من الباقي أقساطهم من الدية .
وإن قيل بالقول الثاني - وهو الجديد - : أن القود ساقط في الواحد والجماعة ، فالدية المستحقة بالقسامة وتكون مغلظة ، حالة في مال المدعى عليه ، إن تفرد بها واحد غرم جميعها ، وإن كانوا جماعة تقسطت على أعدادهم بالسوية . والله أعلم .