[ القول في ] صلاة القارئ خلف الأمي
مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " فإن أم أمي بمن يقرأ أعاد القارئ وإن ائتم به مثله أجزأه . ( قال المزني ) : قد أجاز صلاة من ائتم بجنب ، والجنب ليس في صلاة ، فكيف لا يجوز من ائتم بأمي والأمي في صلاة وقد وضعت القراءة عن الأمي ، ولم يوضع الطهر عن المصلي ؟ وأصله أن كلا مصل عن نفسه ، فكيف يجزئه خلف العاصي بترك الغسل ولا يجزئه خلف المطيع الذي لم يقصر وقد احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قاعدا بقيام ، وفقد القيام أشد من فقد القراءة فتفهم ؟ ( قال المزني ) : القياس أن كل مصل خلف جنب ، وامرأة ، ومجنون ، وكافر يجزئه صلاته إذا لم يعلم بحالهم : لأن كل مصل لنفسه لا تفسد عليه صلاته بفسادها على غيره قياسا على أصل قول الشافعي في صلاة الخوف للطائفة الثانية ركعتها مع الإمام إذا نسي سجدة من الأولى ، وقد بطلت هذه الركعة الثانية على الإمام وأجزأتهم عنده ( قال ) : ولا يكون هذا أكثر ممن ترك أم القرآن ، فقد أجاز لمن صلى ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وإن لم يقرأ بها إمامه وهو في معنى ما وصفت " .
قال الماوردي : أما الأمي في اللسان فهو : الباقي على أميته يعني : على خلقته الأولى لا يعلم شيئا ، وكل من جهل شيئا ولا يعلمه جاز أن يقال له : أمي من ذلك الشيء . لكن الذي أراد الشافعي بقوله : أمي ، هو الذي لا يحسن الفاتحة ، فلا يجوز أن يأتم به قارئ يحسن الفاتحة ، فإن ائتم به ، وكان عالما بحاله عند إحرامه فلا يختلف مذهب الشافعي أن صلاته باطلة وعليه الإعادة ، لفساد إحرامه مع علمه بحاله ، وإن لم يعلم بحاله حتى فرغ من الصلاة ففي وجوب الإعادة عليه ثلاثة أقاويل :
أحدهما : وهو الصحيح ، وعليه نص في الجديد : أن صلاته باطلة وعليه الإعادة في صلاة الجهر والإسرار معا .
[ ص: 331 ] والقول الثاني : وعليه نص في القديم أن عليه الإعادة في صلاة الجهر ، ولا إعادة عليه في صلاة الإسرار : لأنه أسقط في القديم القراءة على المأموم في صلاة الجهر ، وأوجبها في صلاة الإسرار .
والقول الثالث : وهو مخرج على الجديد تعليله في القديم أنه لا إعادة عليه في صلاة الجهر والإسرار معا : لأنه علل في القديم ، فقال : لأن المأموم يأتي بفرض القراءة في صلاة يسر فيها ولا تلزمه القراءة في الصلاة التي يجهر فيها ، وهو في الجديد يرى وجوب القراءة على المأموم في صلاة الجهر والإسرار معا .
فإن قيل : بصحة صلاة المأموم وسقوط الإعادة فيه : فوجهه ما ذكر المزني وهو أن الصلاة لما صحت خلف الجنب والجنب عاص لا طهارة له ، ولا يصح له شيء من أركان صلاته ، فالأمي الذي ليس بعاص وهو متطهر يصح منه جميع أركان صلاته ، إلا القراءة التي قد انتقل إلى بدلها أولى بالجواز ، ولأنه عاجز عن ركن من أركان الصلاة فجاز أن يكون إماما لمن هو قادر على ذلك الركن .
أصله : ائتمام القائم بالقاعد وهذا نكتة هذا القول ، ولأن حتى قام إلى الثانية ، ثم أحرمت الطائفة الثانية خلفه كان عمله في الثانية كلا عمل ، إلا السجدة يجهر بها الأولى ، وصحت للطائفة الثانية ركعتها ، وإن لم يعتد بالقراءة فيها ، فكذلك المصلي خلف أمي تصح صلاته ، لأن الإمام في صلاة الخوف لو نسي سجدة من الركعة الأولى . فقد قراءة الإمام لا تؤثر في صلاة المأموم
ووجه القول الثاني في بطلان الصلاة ووجوب الإعادة هو أظهر الأقاويل ، وأصحها رواية ابن مسعود البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل .
وروى عمرو بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " فكان ذلك شرطا فيها ، ولأن الإمام قد يتحمل القراءة عن المأموم إذا أدركه راكعا ، وقراءة السورة بعد الفاتحة وإذا كان أميا لم يصح تحمله ، لأنه ليس من أهل التحمل ، وإذا لم يصح تحمله لم تصح إمامته ، وبهذا المعنى فرقنا بين الأمي والجنب ، والقاعدة : لأن الطهارة والقيام لا يتحملها الإمام فلم يكن فقدهما قادحا في صلاة المأموم ، وأما يؤمكم أقرؤكم اعتد بها للمأموم لأن الإمام من أهل القراءة ، وإن لم يقرأ ، والأمي ليس من أهل القراءة ، وليس العلة في بطلان الصلاة عدم القراءة ، وإنما العلة فيها أن الإمام ليس من أهلها ، ألا ترى لو كان الإمام قارئا فنسي القراءة جازت صلاة المأموم ، لأن إمامه من أهلها وإن لم يأت بها . إذا نسي سجدة من الأولى من صلاة الخوف ، ثم ذكرها في الثانية قائما