مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن ادعى الجاني أنه برأ من الجراح زاد وما برأ من جراحة فلان حتى مات منها " . قال الماوردي : وصورتها في فينظر ، فإن مات عقيب الجراحة ، فالظاهر أنه مات منها فلا يؤثر ما ذكره المدعى عليه ، فإن لم يبرأ حتى زمان موته بعد الجراحة ، فهذا على ثلاثة أضرب : مجروح مات مع لوث في جراحته ، فأراد الولي أن يقسم ، فذكر المدعى عليه أن المجروح مات من غير الجراحة التي كانت به
أحدها : أن تكون الجراحة قد اندملت ، فيسقط حكم القسامة فيها : لاستقرار حكمها بالاندمال وبطلت سرايتها إلى النفس ، وليس فيما دون النفس قسامة .
والضرب الثاني : أن يكون دمها جاريا لم يندمل ، فهذا محتمل أن يكون الموت منها ، ومحتمل أن يكون من غيرها . فيزيد الحالف من أيمان قسامته أنه مات من جراحته . فإن أقسم على اثنين ، قال في يمينه : وإنه ما مات من غير جراحتهما . ولم يقل : إنه مات من جرحهما ؛ لأنه قد يجوز أن يموت من جرح أحدهما ، وإن أجرى الشرع حكم القتل عليهما .
الضرب الثالث : أن يختلفا في الاندمال ، فيدعيه الجاني وينكره المدعي ، فلو كان في غير القسامة لكان القول فيه قول الجاني ، فأما في القسامة ، ففيه وجهان : [ ص: 53 ] أحدهما : وهو الظاهر من قول أبي إسحاق المروزي ، أن القول قول الجاني مع يمينه ، كما يكون القول قوله في غير القسامة ؛ حتى يقيم المدعي البينة ببقاء الجرح سائل الدم غير مندمل ، ثم يقسم .
والوجه الثاني : وهو الظاهر من قول أبي علي بن أبي هريرة ، أن القول فيه قول المدعي بخلافه في غير القسامة : لأنه لما خالفت القسامة غيرها في قبول قول المدعي في القتل ، خالفته في قبول قوله به في سراية الجراح فيقسم على ذلك ، ويزيد في يمينه أنه مات من جراحته . والله أعلم .