مسألة : قال الشافعي : " وإن أكرهها على الزنا فعليه الحد دونها ومهر مثلها " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا ، وجب الحد عليه دونها ، وهو متفق عليه : لرواية استكره امرأة على نفسها حتى زنا بها الحجاج بن أرطأة ، عن عبد الجبار بن [ ص: 240 ] وائل بن حجر ، عن أبيه ، . أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ الحد عنها ، وحد الزاني بها
فأما المهر فمختلف في وجوبه ، فمذهب الشافعي : أن عليه لها مهر مثلها .
وقال أبو حنيفة : لا مهر عليه : احتجاجا ، رواه بالتسكين ، والبغي الزنا ، وهذا زنا . قال : ولأنه وطء وجب به الحد على الواطئ ، فوجب أن يسقط عنه المهر كالمطاوعة . بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهر البغي
قال : ولأن الحد يجب مع انتفاء الشبهة ، والمهر يجب مع وجود الشبهة ، فامتنع اجتماعهما .
ودليلنا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : وهذا مستحل لفرجها ، فوجب أن يلزمه مهرها . أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ، فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها
فإن قيل : إنما لزمه المهر في العقد الفاسد . قيل : كل ما ضمن بالبدل من العقد الفاسد ضمن بالغصب والإكراه كالأموال : لأنه وطء في غير ملك ، فإذا سقط به الحد عن الموطوءة وجب به المهر على الواطئ ، كالواطئ بالشبهة ، ولأنه لما وجب المهر للموطوءة بنكاح فاسد كان وجوبه للمستكرهة أولى من وجهين :
أحدهما : أن المنكوحة مع علمها عاصية ، والمستكرهة غير عاصية .
والثاني : أن المنكوحة ممكنة ، والمستكرهة غير ممكنة .
فأما الجواب عن نهيه عن " " : فالرواية المشهورة البغي بالتشديد ، يعني الزانية ، وليست هذه الزانية . مهر البغي
ولا دليل أيضا لمن روى بالتحفيف - يعنى الزنا - : لأن هذا الوطء زنا في حق من حد ، وليس زنا في حق من لم يحد .
وأما قياسهم على المطاوعة فالمعنى فيه : وجوب الحد عليها .
وأما استحالة وجوب الشبهة وعدمها في الفعل الواحد : فهو مستحيل في حق [ ص: 241 ] الواحد ، وليس بمستحيل في حق الاثنين ، كما لم يستحل أن يجب الحد على الواطئ ويسقط الحد عن الموطوءة .
وجملته أن الذي يختص بالرجل ثلاثة أحكام : الحد ، والمهر ، والنسب .
وأما النسب : فيعتبر به شبهة الواطئ دون الموطوءة ، فإن كانت له شبهة لحق به ، وإن لم يكن له شبهة لم يلحق به .
وأما المهر : فيعتبر به شبهة الموطوءة دون الواطئ ، فإن كان لها شبهة وجب لها ، وإن لم يكن لها شبهة لم يجب .
وأما الحد فيعتبر به شبهة كل واحد منهما ، فإن كانت لهما شبهة سقط الحد عنهما ، وإن لم يكن لها شبهة وجب الحد عليها ، وإن كانت لأحدهما شبهة دون الآخر وجب على من انتفت عنه الشبهة ، وسقط عمن لحقت به الشبهة .