مسألة : قال الشافعي : " ولو كانت قيمة ما سرق ربع دينار ، ثم نقصت القيمة فصارت أقل من ربع دينار ، ثم زادت القيمة ، فإنما أنظر إلى الحال التي خرج بها من الحرز " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، ، فإن بلغت نصابا ثم نقصت عن النصاب بعد إخراجها قطع ، ولم يسقط عنه القطع . قيمة السرقة في القطع معتبرة بوقت إخراجها
[ ص: 301 ] بنقصان القيمة ، سواء نقصت قيمتها بنقصان عينها أو لنقصان سعرها .
وقال أبو حنيفة : إن كان لنقصان عينها قطع ، وإن كان لنقصان سعرها لم يقطع : استدلالا بأن ما منع من وجوب القطع عند إخراجها منع من حدوثه بعد إخراجها ، كما لو ثبت بإقرار أو بينة أنها ملك لسارقها ، ولأن نقصان السعر لا يضمن مع بقاء العين ، وما لم يضمنه لم يقطع فيه كنقصانه قبل إخراجه ، ولأن ما طرأ بعد وجوب الحد وقبل استيفائه يجري في سقوط الحد مجرى وجوده عند وجوبه ، كالقذف إذا زنا بعده المقذوف سقط به الحد عن القاذف كما لو زنا عند قذفه .
ودليلنا مع عموم الكتاب والسنة : أنه نقصان حدث بعد وجوب القطع ، فوجب أن لا يسقط به القطع لنقصان العين .
فإن قيل : نقصان عينه مضمون فقطع فيه ، ونقصان سعره غير مضمون ، فلم يقطع فيه .
قيل : نقصان السعر مضمون مع التلف ، فأشبه نقصان عينه المضمونة بالتلف فاستويا ، ولأن القدر شرط في وجوب القطع ، فوجب أن يكون نقصانه بعد وجوب القطع غير مؤثر في إسقاطه ، قياسا على خراب الحرز : لأن قدر النصاب إذا اختلف في حال وجوب القطع وحال استيفائه وجب أن يكون الاعتبار بحال وجوبه دون استيفائه .
أصله : إذا كان ناقصا عند الإخراج وزائدا بعد الإخراج ، ولأن الحدود معتبرة بحال الوجوب دون الاستيفاء ، كالبكر إذا زنا فلم يحد حتى أحصن ، والعبد إذا زنا فلم يحد حتى أعتق ، كذلك السرقة .
وتحريره قياسا : أنه حد فوجب أن يعتبر فيه بحال وجوبه دون استيفائه كالزنا .
فأما الجواب عن قياسهم بأن ما منع من وجوب القطع عند إخراجها منع منه حدوثه بعد إخراجها : فهو أنه منتقض بخراب الحرز يمنع من وجوب القطع إذا كان خرابا عند إخراجها ، ولا يمنع منه إذا حدث خرابه بعد إخراجها . ثم المعنى في الأصل إذا ثبت أنه مالك للسرقة : هو أنه يستدل بذلك على ملكه لها عند إخراجها : فلذلك لم يقطع ، وإذا حدث نقصها لم يستدل به على نقصها عند إخراجها فلذلك قطع .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن نقصان السعر لا يضمن : فهو ما قدمناه من ضمانه مع تلف العين : لأنه يضمنها أكثر ما كانت قيمة من وقت السرقة إلى وقت التلف .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن ما يطرأ بعد الحرز كالموجود في الحرز : فهو انتقاضه بخراب الحرز ، ثم المعنى في زنا المقذوف بعد قذفه : أنه دل حدوثه على انتفاء عفته وتقدم نظائره ، والله أعلم . [ ص: 302 ]