قال الماوردي : أما ، فمضمون عليهم بالقود في الدماء ، والغرم في الأموال . وما أتلفوه وهم في منعة والمنعة : أن لا يقدر الإمام عليه حتى يستعد لقتالهم ففي ضمانه على أهل البغي قولان مضيا في قتال أهل البغي . ما أتلفه المرتدون وأهل البغي على المسلمين من دم ومال وهم في غير منعة
فأما ضمانه على أهل الردة : فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ، وأبي حامد الإسفراييني ، وأكثر البغداديين أن في وجوب ضمانه عليهم قولين كأهل البغي سواء .
والوجه الثاني : وهو قول أبي حامد المروزي ، وأبي القاسم الصيمري ، وأكثر البصريين أنه مضمون عليه قولا واحدا ، وهو مذهب أبي حنيفة واختيار المزني . وإن كان ضمان أهل البغي على قولين الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن لأهل البغي تأويلا محتملا ، وليس لأهل الردة تأويل محتمل .
والثاني : أن لأهل البغي إماما تنفذ أحكامه ، وليس لأهل الردة إمام تنفذ أحكامه .
فإن قيل : بسقوط ضمانه عنهم وهو محكي عن الشافعي في سير الأوزاعي فوجهه : قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأهل الردة : تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا نأخذ لقتلانا دية . فسكت أبو بكر رضا بقوله ، ورجوعا إليه : لأنه عمل عليه . ولأن طليحة قتل في ردته عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم ، وفيهما يقول طليحة الأسدي حين قتلهما : [ ص: 447 ]
عشية غادرت ابن أقرم ثاويا وعكاشة الغنمي تحت مجال أقمت له صدر الجمالة إنها
معودة قبل الكماة نزال فيوما تراها في الجلال مصونة
ويوما تراها في ظلال عوال
فإن قيل : فقد عارضه عمر ، فقال : لا نأخذ لقتلانا دية . قيل : يحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه قال ذلك تفضلا عليهم كعفو الأولياء ، فلم يكن فيه مخالفا لحكم أبي بكر . فإن قيل : فقد عمل بقوله : لأنه لم يقتص منهم ولم يغرمهم .
قيل : القصاص والغرم حق لغيره ولم يأته مطالب بحقه منه فمنعه ، فلم يكن في الشرك إسقاط للوجوب . ومن الاعتبار : أن كل من ضمن ما أتلفه ، إذا لم يكن في منعة ضمن ، وإن كان في منعة كالمسلم طردا والحربي عكسا ، ولأن الردة إن لم تزده شرا ، لم تفده خيرا ، وهو . يضمن قبل الردة ، فكان ضمانه بعدها أولى