مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " ولو لم يكن له أن يقصر " . أحرم في مركب ، ثم نوى السفر
قال الماوردي : وصورتها في رجل نزل في مركب في بلد إقامته ، والمركب واقفا قد تهيأ للسفر ، وأحرم بالصلاة ، ثم خطف المركب ، وسار فصار الراكب مسافرا في حال صلاته فعليه إتمام الصلاة وليس عليه قصرها ، وهو مذهب الفقهاء كافة إلا من شذ منهم ، فجوز له القصر وهذا خطأ ، لأن الصلاة عبادة تختلف بالحضر ، والسفر ، فوجب إذا اجتمع فيها الحضر والسفر أن يغلب حكم الحضر ، أصله إذا أنشأ صوما في الحضر ثم سافر ، ولأنه إذا وجب الأخذ بالأكثر كما لو شك هل صلى ثلاثا أو أربعا ؟ . اجتمع في الصلاة حكم الإقامة والسفر
، فإن لم يقدر على القيام لكثرة الزحام صلى قاعدا لحرمة الوقت ، وأعاد إذا قدر . ليس لراكب السفينة أن يصلي الفريضة قاعدا
وقال أبو حنيفة : إن كانت السفينة مربوطة لم تجز الفريضة إلا قائما ، وإن كانت سائرة أجزأته الفريضة قاعدا تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم : فجوز [ ص: 382 ] في الظاهر صلاة القاعد ، وجعل القيام أفضل منه ، قالوا : ولأنها إذا كانت سائرة ، فهو غير مستقر ، وفرض القيام يسقط بزوال حال الاستقرار ، صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم يصلي راكبا ويجزيه . ودليلنا قوله تعالى : كالراكب في صلاة الخوف وقوموا لله قانتين [ البقرة : 238 ] ، ولأن كل من لزمه فرض القيام في غير السفينة لزمه فرض القيام في السفينة ، أصله إذا صلى في سفينة مربوطة ، ولأنه ركن من أركان الصلاة ، فوجب أن لا يسقط في السفينة كالركوع ، والسجود ، والقراءة .
فأما استدلاله بالخبر فمحمول على النافلة ، لأن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ، فأما الفريضة فلا ، لأنه إذا كان قادرا على القيام لم يجز ، وإن كان عاجزا أجزأه كالقائم في الأجر سواء .
وأما قوله : وإن كان غير مستقر كالخائف ، فالفرق بينهما أن الخوف عذر طرأ عليه من قبل غيره دون أن ينسب الخوف إلى فعله ، وركوب السفينة من فعله ، والعذر الداخل عليه من قبله ، فلما افترقا في المعنى افترقا في الإعادة ، والله أعلم .