فصل : وأما رد السلام فيما ذكرناه من الأقسام فضربان :  
أحدهما : أن يكون  السلام على واحد   ، ويكون رده فرضا متعينا على ذلك الواحد ، سواء كان السلام من مسلم أو كافر .  
وقال  عطاء      : يجب رده على المسلم ، ولا يجب رده على الكافر ، والدليل على استوائهما في وجوب الرد عليهما - وإن اختلفا في صفة الرد - عموم قول الله تعالى :  وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها      [ النساء : 86 ] .  
وفي هذه التحية تأويلان :  
أحدهما : أنها الدعاء .  
والثاني : السلام .  
وفي قوله : فحيوا بأحسن منها أو ردوها ، تأويلان :  
أحدهما : فحيوا بأحسن منها للمسلم أو ردوا مثلها على الكافر .  
والثاني : فحيوا بأحسن منها بالزيادة على الدعاء أو ردوها بمثلها من غير زيادة .  
والضرب الثاني : أن يكون  السلام على جماعة   ، فرده من فروض الكفايات على تلك الجماعة ، فأيهم تفرد بالرد سقط فرضه عن الباقين ، وكان المراد منهم هو المختص بثواب رده دونهم ، وإن أمسكوا عنه حرجوا أجمعين ، ولا يسقط الفرض عنهم برد غيرهم .  
فأما  صفة السلام وصفة الرد   ، فهو مختلف باختلاف المسلم والراد ، وذلك ضربان :  
أحدهما : أن يكون السلام بين مسلمين ، فصفته من المبتدئ بالسلام ، أن يقول : السلام عليكم ، سواء كان السلام على واحد أو على جماعة : لأن لفظ الجمع يتوجه      [ ص: 148 ] إليه وإلى حافظيه من الملائكة ، وما زاد بعده من قوله : " ورحمة الله وبركاته " ، فهو زيادة فضل .  
فأما رده فأقله أن يقابل عليه بمثله ، روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  لا تغار التحية     . والغرار : النقصان . أي : لا تنقص من السلام إذا سلم عليك ، والسنة أن تزاد في الرد عليه ،  روى الحسن البصري أن رجلا سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : السلام عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليكم السلام ورحمة الله ، ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم جاء آخر فقال : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليكم ، فقيل له : يا رسول الله : زدت الأول والثاني ، وقلت للثالث : وعليكم فقال : إن الأول والثاني أبقيا من التحية شيئا ، فرددت عليهما أحسن من تحيتهما ، وإن الثالث جاء بالتحية كلها فرددت عليه مثلها  وإن كان السلام بين مسلم وكافر فضربان :  
أحدهما : أن يكون  الكافر مبتدئا بالسلام   فيجب على المسلم رد سلامه ، وفي صفة رده وجهان :  
أحدهما : أن يرد عليه المسلم فيقول : وعليك السلام ولا يزيد عليه " ورحمة الله و بركاته " .  
والوجه الثاني : أن يقتصر في رده عليه بقوله وعليك : لأنه ربما نوى سوءا بسلامه وإن كان المسلم مبتدئا بالسلام ، ففي جواز ابتدائه بالسلام وجهان :  
أحدهما : يجوز أن يبتدئ بالسلام : لأنه لما كان السلام أدبا وسنة كان المسلم بفعله أحق ، فعلى هذا يقول له المسلم : " السلام عليك " على لفظ الواحد ، ولا يذكره على لفظ الجمع كالمسلم ، ليقع به الفرق بين السلام على المسلم والكافر .  
والوجه الثاني : لا  يبدأ بالسلام   حتى يبتدأ به ، فيجاب لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  لا تبتدئوا  اليهود   بالسلام ، فإن بدءوكم فقولوا : وعليكم  ، فهذا وإن لم يكن من سنن الجهاد ، فهو من السنن والآداب ، فلم أستجز ذكره ، مع ذكر  الشافعي   له أن أخل باستيفائه ، والله الموفق للصواب .  
				
						
						
