مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله تعالى - : "  فإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه      " وذكر  الشعبي   عن  عدي بن حاتم      - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :  فإن أكل فلا تأكل     . قال : وإذا جمع البازي أو الصقر أو العقاب أو غيرها مما يصيد أن يدعى فيجيب ، ويشلى فيطير ، ويأخذ فيحبس مرة بعد مرة فهو معلم ، فإن قتل فكل ، وإذا أكل ففي القياس أنه كالكلب . قال  المزني      - رحمه الله - :  ليس البازي كالكلب      : لأن البازي وصفه إنما      [ ص: 8 ] يعلم بالطعم وبه يأخذ الصيد والكلب يؤدب على ترك الطعم والكلب يضرب أدبا ولا يمكن ذلك في الطير فهما مختلفان ، فيؤكل ما قتل البازي وإن أكل ، ولا يؤكل ما قتل الكلب إذا أكل لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك .  
قال  الماوردي      : إذا  أرسل الجارح المعلم على صيد ، فقتله ، ولم يأكل منه   حل أكله : لقول الله تعالى :  فكلوا مما أمسكن عليكم      .  
وإن  أكل الجارح من الصيد الذي قتله   ، ففي إباحة أكله قولان سواء كان من كواسب البهائم أو كواسر الطير :  
أحدهما : وهو قوله في القديم - يحل أكله .  
وبه قال من الصحابة  عبد الله بن عمر   ،  وسعد بن أبي وقاص   وسلمان الفارسي      .  
ومن الفقهاء مالك ،  وأبو ثور   ،  وداود      .  
والقول الثاني : وبه قال في الجديد لا يحل أكله .  
وبه قال من الصحابة  عبد الله بن عباس   ،  وأبو هريرة      .  
ومن الفقهاء  أهل  العراق       .  
وقال  أبو حنيفة   ،  والمزني   وهو مذهب  الشعبي   والنخعي   أن ما كان من كواسب البهائم لم يحل أكله ، وإن كان من كواسر الطير يعلم بالأكل ولا فرق بينهما عند  الشافعي   على القولين : لأمرين :  
أحدهما : أن البازي يعلم بالأكل في مبادئ التعليم ، وبالامتناع من الأكل عند استكماله ، ولو كان تعليمه بالأكل في الحالين ، لما صح تعليمه إذا امتنع من الأكل ، ولكان أكله منه شرطا في إرادة أكله ، وهذا مدفوع .  
والثاني : أنه يعلم بالأكل من يد معلمه ، ولا يعلم من أكل ما صاده .  
وإذا لم يكن بينهما فرق على القولين ، فإن قيل بقوله في القديم أنه يحل أن يؤكل ما أكل منه ، فدليله حديث  أبي ثعلبة الخشني      .  
روى  عمرو بن شعيب   عن أبيه عن جده أن رجلا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال له  أبو ثعلبة   ، فقال :  يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن كانت الكلاب مكلبة ، فكل مما أمسكن عليك . قال : ذكي ، وغير ذكي ؟ قال : ذكي وغير ذكي . قال : وإن أكل منه ؟ فقال : وإن أكل منه     .  
وروى  أبو إدريس الخولاني   عن  أبي ثعلبة الخشني   عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  إذا      [ ص: 9 ] أرسلت كلبك المكلب ، وذكرت اسم الله عليه فكل ، وإن أكل منه     . فهذا نص .  
ولأن ما حل أكله بفوات نفسه لم يحرم بحدوث أكله كالمذكى : ولأن ما حل من صيده إذا لم يأكل منه حل ، وإن أكل منه ، كما لو تركه بعد صيده ، ثم عاد ، فأكل منه : ولأنه لو أكل من غير صيده ، وأكل غيره من صيده لم يحرم واحد منهما ، فدل على أن الأكل لا يوجب التحريم .  
وإن قيل بقوله في الجديد : إن أكل ما أكل منه حرم ، فدليله قول الله تعالى :  فكلوا مما أمسكن عليكم   وما أكل منه ، فقد أمسكه على نفسه ، لا على مرسله ، ويدل عليه حديث  عدي بن حاتم   ، وهو أثبت من حديث  أبي ثعلبة الخشني   أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  إذا أرسلت كلبك المعلم ، وذكرت اسم الله عليه فكل ، وإن قتل إلا أن يأكل منه ، فلا تأكل     . وهذا نص .  
ولأن من شرط التعليم أن لا يأكل منه ، وإذا أكل بان أنه غير معلم ، فحرم : ولأن أكله وإن احتمل أمرين :  
أحدهما : نسيان التعليم ، فمحرم .  
والثاني : لغلبة الجوع ، فلا يحرم .  
وجب عند تعارضهما أن يعاد إلى أصله في الحظر والتحريم كما لو  اختلط مذكى بميتة   لم يحل الاجتهاد فيه : تغليبا للتحريم : ولأن الصيد الواحد لا يتبعض حكمه ، فلما كان ما أكله قد أمسكه على نفسه ، كذلك باقيه ، وما أمسكه على نفسه حرام .  
				
						
						
