فصل : فإذا تقرر توجيه القولين فيما أكل منه ، فلا يختلف مذهب  الشافعي   أن ما تقدمه من صيده الذي لم يأكل منه حلال .  
وقال  أبو حنيفة      : يحرم جميع صيده المتقدم بأكله من الصيد المستأخر : استدلالا بأمرين :  
أحدهما : أن  الأكل إذا كان منافيا للتعليم   دل حدوثه منه على تقدمه فيه ، فصار صائدا لجميعه ، وهو غير معلم كالشاهدين إذا شهدا ، وهما عدلان في الظاهر ، فلم يحكم الحاكم بشهادتهما ففسقا لم يحكم بها ، وإن تقدمت على فسقهما : لأنها دليل على تقدم الفسق فيهما .  
والثاني : أن التعليم ينقله عن طبعه ، فإذا لم ينتقل عنه مع الآخر دل على أنه كان غيره منتقلا مع الأول ، وصار ترك أكله في الأول اتفاقا لا تعليما .  
ودليلنا : قول الله تعالى :  فكلوا مما أمسكن عليكم      [ المائدة : 4 ] وقد أمسك على مرسله بما تقدم فحل : لأن ما وجدت شروط الإباحة فيه لم يحرم تقدمها في غيره :      [ ص: 10 ] كإسلام مرسله لو ارتد عنه بعدم إرساله لم يحرم ما صيد قبل ردته : ولأنه قد حكم بتعليمه بما تكرر من ترك أكله ، وحدوث الأكل منه يحتمل أن يكون لشدة جوع ، ويحتمل أن يكون لحدوث نسيان ، ويحتمل أن يكون لأن تعليمه لم يستقر فلم يجز أن ينقض ما تقدم من الحكم بتعليمه بأمر محتمل يتردد بين حدوث وقدم ، كالشاهدين إذا نفذ الحكم بشهادتهما ، ثم حدث فسقهما لم يجز أن ينتقض به الحكم المتقدم : لجواز تردده بين حدوث وقدم : ولأن تركه الأكل شرط في التعليم كما أن استرساله إذا أرسل شرط فيه ، ثم ثبت أنه صار يسترسل إن لم يرسل ، ولا يسترسل إن أرسل لم يدل على تحريمه ما تقدم من صيده ، وإن كان غير معلم فيه ، كذلك حدوث الأكل .  
وبتحرير هذه الأدلة تكون الأجوبة عما قدموه من الدليل .  
فإن قيل : فإذا  تعارض ما يوجب الحظر والإباحة   ، يغلب حكم الحظر على الإباحة .  
قيل : قد اختلف أصحابنا فيه ، فمنهم من سوى بينهما واعتبر ترجح أحدهما بدليل .  
ومنهم من غلب الحظر ، وهو قول الأكثرين ، لكن يكون هذا فيما امتزج فيه حظر وإباحة . فأما ما لم يمتزج فيه الحظر والإباحة ، فلا يوجب تغليب الحظر على الإباحة ، كالأواني إذا كان بعضها نجسا ، وبعضها طاهرا لم تمنع من الاجتهاد في الظاهر ، وهاهنا قد تميزت الإباحة في المتقدم على الحظر ، في المستأجر ، فلم يجز تغليب أحدهم على الآخر ، وأثبت كل واحد من الحكمين في محله .  
				
						
						
